اخر الاخبار

تنتشر الأمراض النفسية بشكل كبير في المجتمعات التي تعاني من حروب وصراعات وازمات والتي تتصف بانها غير مستقرة، وهنا تكمن أهمية الطبيب والعلاج النفسي في توفير الدعم العلاجي اللازم للمرضى، وتمكينهم من التعامل مع التحديات النفسية التي تؤثر على حياتهم اليومية.

ومع أن العلاج النفسي يعد من الأساليب العلاجية الأساسية في العديد من الدول، إلا أن العراق يعاني من شح في عدد الأطباء النفسيين، ما يجعل من الصعب على الكثير من المرضى الوصول إلى الرعاية المطلوبة.

وعلى الرغم من الحاجة المتزايدة للعلاج النفسي في ظل الظروف التي يواجهها العراقيون، إلا أن العديد منهم يترددون في اللجوء إلى العلاج لأسباب تتعلق بالوصمة الاجتماعية والخوف من الاعتراف بالمعاناة النفسية.

أقل من 200 طبيب في العراق

وأظهر بحث لدائرة البحوث في البرلمان، أن نقص الأطباء النفسيين في العراق يتجاوز 1329 طبيباً، وفيما تعاني محافظات من عدم وجود طبيب واحد، فإن بغداد والبصرة على التوالي، تعدان أكثر المحافظات نقصاً في الأطباء.

وفق الإحصائيات، فإن عدد الأطباء النفسيين الإجمالي في العراق هو 178 طبيباً، بينما تسجّل البلاد ارتفاعاً في عدد من هم بحاجة إلى عناية نفسية، مقارنة بدول المنطقة. ويعمل 126 طبيباً منهم في الملاك الدائم لوزارة الصحة، بينما يعمل 15 منهم على ملاك وزارة التعليم العالي.

وبالنسبة لتوزيع وانتشار الأطباء النفسيين في العراق وفق المحافظة: ففي بغداد هناك "79 طبيبا والبصرة 10 اطباء وفي نينوى 20 والديوانية 29 بابل 15 ديالى 4 اطباء، بينما ميسان والانبار طبيب واحد فقط، وواسط 3، وذي قار 4، والمثنى 2، وصلاح الدين 3، والنجف 7، اما كربلاء وكركوك فلا يوجد فيهما طبيب يحمل هذا الاختصاص".

ثقافة العلاج النفسي

استاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز قالت ان "وجود الطبيب والمعالج النفسي مهم وضروري خاصة في المجتمعات التي تعاني من عدم استقرار امني واقتصادي وسياسي ومن جميع الجوانب".

وذكرت عبد العزيز في حديثها مع "طريق الشعب"، ان "المجتمعات التي تتعرض الى نكبات وحروب وتعاني من الصراعات، يتعرض اغلب افرادها الى صدمات نفسية، وقد لا تظهر مباشرة او بشكل اني، ولكنها تظهر بما يقبل الشك في اي وقت، ويتحول الانسان حينها من شخص سوي الى انسان غير سوي، ممكن ان يضر الاخرين ومجتمعه بسلوكه وعدائيته وتخريبه والإضرار بالآخرين. لهذا لا بد لنا ان نفعل ثقافة العلاج النفسي".

وتابعت قائلة: ان هناك جهلا كبيرا بأهمية العلاج النفسي وضرورته مقارنة بالعلاج البدني، على الرغم من ان اغلب افراد مجتمعنا في لحظة ما، اذا تعرضوا لألم في الراس وان كان بسيطاً فأنه يلجأ لاستشارة المختص، ولكن اذا كانت هناك معاناة من الضغوطات والكآبة او قلق او أية اضطرابات نفسية، فهم لا يبحثون عن طبيب او معالج نفسي يقف على حالتهم، بل ان البعض يبحث عن العلاج الروحاني رابطا مشاكله الصحية بالسحر والشعوذة والدجل وغيرها".

وأكدت، ان سبب ذلك يتعلق بـ"غياب ثقافة العلاج النفسي، وقصور المعرفة وعدم الادراك بأن هناك أمراضا نفسية نتيجة تعرض الانسان لضغوطات ولأوضاع غير مستقرة ممكن ان تحوله من انسان يعاني من امراض نفسية إلى أمراض جسدية".

ونوهت الى ان هناك شعورا لدى الكثير من العراقيين بالعار من تجربة العلاج النفسي. بل قد تطال هذه الوصمة الاسرة بكاملها، لان مجتمعنا يربط المرض النفسي بالجنون"، مبينة ان "المرض العقلي هو خلل بيولوجي بالدماغ ممكن ان يكون عن طريق الوراثة".

وأوضحت عبد العزيز في سياق حديثها، أن "الكثير من الامراض النفسية، لا تحتاج الى علاج دوائي، وبرامج نفسية ومعرفية وعلاج سلوكي".

المرض النفسي.. جنون؟

الباحث الاجتماعي، نشوان محمد قال ان هناك "نظرة سلبية في المجتمع العراقي للمريض والمرض النفسي، وتعتبره مرتبطا بالمرض العقلي او الجنون، دون التفريق بينهما".

وأضاف محمد في حديث مع "طريق الشعب"، أن "المريض النفسي في المجتمع العراقي هو كالمريض عقليا، ورغم كل هذه السنوات التي مرت، لا يزال المرض النفسي يعتبر كأنه وصمة عار، لذلك نلاحظ ان اغلب شرائح المجتمع العراقي تتكتم ولا تعلن عن ذلك، ويتم اللجوء الى تصويرها على انها اعمال شعوذة وشيطانية وسحر وما الى ذلك".

وبيّن، ان "الامراض النفسية في العراق غالباً ما تربط بالشعوذة والسحر باعتبارها قضية غيبية، بينما واقع الامر مرتبط بالإصابة بالأمراض النفسية".

وتابع قائلاً ان "العراق مر بتجربة قاسية ومريرة جداً على امتداد العقود التي خلت ولا يزال، من حروب وصراعات سياسية داخلية وحصار اقتصادي واقتتال طائفي. وكل هذا من الطبيعي ان يخلق كما هائلا وعددا غير قليل من الامراض النفسية. وخصوصا مرض الاضطرابات الشخصية".

ولفت الى ان هناك "حاجة ضرورية لوجود طب نفسي، فهذا الطب لا يقل اهمية ابدا عن الطب الفسلجي، خصوصاً وان الكثير من الامراض الفسلجية تكون اسبابها نفسية بالدرجة الاساس".

واشر المتحدث وجود نقص كبير في أعداد الأطباء النفسيين، نظراً لان الطلاب يتجنبون التخصص بالأمراض النفسية، لان هناك مشكلة اجتماعية حقيقية في تعاطي المجتمع مع الطبيب النفسي، مؤكدا أن "الناس تلجأ الى الطب الروحاني بدلا من المعالجة الطبية النفسية، وهذه مشكلة أكبر تواجه الطب النفسي واختصاصاته"، مشددا على ضرورة التوعية التي تبدأ من المنهاج الدراسي، واعداد برامج وإقامة مؤتمرات وورش عمل تسلط الضوء على هذا الملف".

وخلص الى القول انه "من الضروري خلق مجتمع يجيد التعامل مع الطب النفسي دون أي تحسس، كما ان هناك ضرورة لاستحداث اقسام جديدة في الطب النفسي وخصوصا في كلية الطب".