ضيّف منتدى "بيتنا الثقافي" في بغداد السبت الماضي، الكاتب والروائي زهير الجزائري، الذي قدم شهادة مهمة عن جيل الستينيات، في جلسة حضرها سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، وعدد من قيادات الحزب، إلى جانب جمع من المثقفين.
أدار الجلسة الرفيق فاروق فياض. واستبقها بتقديم نبذة عن تجربة الضيف الطويلة في المجالين الصحفي والأدبي، فضلا عن مسيرته النضالية في صفوف الحزب الشيوعي.
الجزائري، وفي معرض حديثه، ذكر أن جيل الستينيات الثقافي في العراق حظي بكتابات كثيرة، لذلك فانه سيقدم في الجلسة شهادته الشخصية عن ذلك الجيل.
وقال انه انتقل من مدينته النجف إلى بغداد عام 1964 للالتحاق بالجامعة، وحينها كان عمره 21 سنة، واستذكر الحياة الجامعية، وكيف ان تلك الفترة كانت تشهد تفتحا سياسيا واجتماعيا، حتى ان أعداد الطالبات الجامعيات اللواتي يرتدين العباءة، كانت قليلة جدا.
وأشار الى ان تلك الفترة شهدت انقلابات عسكرية وانشقاقات سياسية. ومن الناحية الاجتماعية كانت هناك تطورات كبيرة، منها صعود الطبقة الوسطى عبر الجهاز الوظيفي.
وتابع قوله أنه في تلك الاثناء تعرّف إلى جيل الستينيات الثقافي الذي كان يضم قوميين وشيوعيين، وانه بالإضافة إلى مجموعة بغداد من هذا الجيل، كانت هناك مجموعات الناصرية والنجف وكركوك، وان كل المجموعات كانت تهيمن عليها إضافة إلى التجديد والتحديث، الرابطة المكانية والتكتل. كما كانت لكل منها ميزات خاصة، حيث كانت مجموعتا الناصرية والنجف أكثر ثورية وتطرفا للحداثة، مًرجعا ذلك لعوامل سياسية واجتماعية.
ولفت إلى أن المجموعات جميعها تشكلت في المقاهي، على اعتبار ان المقهى كانت تحتضن مختلف الطبقات والفئات والتوجهات، مبينا أن السلطة كانت تشعر بوجود شيء مختلف في تلك المجموعات، لكنها لم تستطع تصنيفها، كأن تكون شيوعية أو بعثية أو قومية.
وتابع قائلا أن مخبري السلطة كانوا يجلسون في المقاهي يتنصتون لأحاديث المجموعات، فيتفاجأون بكلمات غريبة لا يفهمونها ولا توازيها مستوياتهم الثقافية، مشيرا إلى أن علاقة تلك المجموعات بالسلطة كانت غامضة.
وتطرق الجزائري إلى جيل بداية الستينيات، الذي تعرّض الكثير من أفراده إلى الاضطهاد والسجن في فترة انقلاب شباط 1963، مبينا أن موضوعة السجن كانت تسكن هذا الجيل، وان الكثيرين من أبنائه كتبوا عن السجون.
ونوّه إلى انه في فترة الستينيات تشكل وعي جديد لدى هذا الجيل منفصل عن الأحزاب والأيديولوجيات. فالاتجاه الأساسي الذي هيمن عليه هو الفلسفة الوجودية، موضحا أنه كان هناك إقبال كبير على الكتب الوجودية، فشكلت وعي أبناء هذا الجيل. إذ أصبح تفكيرهم يتمحور حول الذات، ويميلون إلى الانعزال عن المجتمع وإلى الكتابات الغرائبية، بينما لم تعد فكرة إصلاح المجتمع والواقع، تعني لهم شيئا، مثلما كانت تعنيه للأجيال السابقة.
وإضافة إلى الجماعات والحلقات الأدبية، تطرق الجزائري إلى الحلقات الفنية في تلك الفترة، وإلى تأثرها، شأن الأدبية، بالحداثة الخارجية، وليس بالروّاد المحلييين.
ثم عرّج على نكسة حزيران 1967، وكيف انها شكلت صدمة كبيرة لأبناء هذا الجيل، ما جعل الكثيرين منهم يعودون إلى السياسة بعد أن غادروها بفعل ما واجههم من هزائم سياسية.
وشهدت الجلسة مداخلات ساهم فيها عدد من الحاضرين. وفي ختامها قدم الناقد فاضل ثامر شهادة تقدير باسم المنتدى إلى الكاتب والروائي زهير الجزائري.