اخر الاخبار

يبدو أن سنوات من التراكمات في الإهمال الحكومي والإخفاق في إدارة المشاريع بمحافظة ديالى قد جرفت حياة السكان اليومية إلى مستوى من المعاناة المستمرة. المستشفيات المعلقة، مشاريع المياه المتوقفة، وشبكات الصرف الصحي التي لم تكتمل منذ عقود، جميعها تحولت من وعود تنموية إلى رموز للتلكؤ الإداري والفساد المالي، فيما الأهالي يواصلون انتظار الحد الأدنى من الخدمات الأساسية دون جدوى.

الشارع لم يعد صامتا، اذ تحولت الاحتجاجات بين الحين والآخر إلى صرخة مدوية تعبّر عن غضب السكان من واقعٍ خدمي مترد يشمل كل شيء، من الطرق المتهالكة إلى الانقطاعات المستمرة في الكهرباء والماء، مرورا بتكدس النفايات وغياب أي خطوات إصلاحية ملموسة. ومع استمرار توقف المشاريع وعدم وجود متابعة حقيقية من الجهات الحكومية، تبدو المحافظة على حافة انفجار شعبي، فيما المواطنين يطالبون اليوم بحقوقهم الأساسية.

تلكؤ مشاريع المستشفيات والصرف الصحي

قال طارق العتبي، ناشط سياسي، إن التلكؤ المستمر في إنجاز المشاريع الحيوية بالمحافظة يمثل "أكبر عائق أمام تحسين الخدمات الأساسية للسكان"، محملا الجهات الحكومية مسؤولية تعطيل التنمية وترك الأهالي بلا حد أدنى من الخدمات.

وأضاف العتبي لـ"طريق الشعب"، أن أبرز المشاريع المتوقفة هي: المستشفى الأسترالي في بعقوبة، مشاريع مياه جديدة الشط وخان بني سعد، ومشاريع الصرف الصحي في غرب بعقوبة وقضاء الخالص، مشيرًا إلى أن بعضها توقف منذ أكثر من عقدين.

وأضاف ان "هذه المشاريع ليست رفاهية، بل أساس حياة المواطنين، وتأخيرها المستمر يعكس فشلًا إداريًا وسياسيًا صارخًا، فضلاً عن افتقاد الشفافية ومحاسبة المتسببين في هذا التلكؤ".

وبين أن أسباب التأخير تشمل فساد مالي وإداري، ضعف الشركات المنفذة، الخلافات المؤسسية بين الجهات الحكومية، ونقص التخصيصات المالية الضرورية"، مؤكدا أن استمرار الوضع الحالي "يعني استمرار حرمان المواطنين من أبسط حقوقهم في الصحة والماء والبنية التحتية، ويزيد من تعميق الأزمة الخدمية في ديالى".

مناطق منكوبة

ويصف عمر اسعد، مراقب للشان المحلي في ديالى، بأن وضع الخدمات متدهور بشكل عام، مع وجود مناطق محددة تعيش أوضاعا أكثر سوءا، وتعاني حرمانا واضحا من أبسط مقومات البنية التحتية.

ويشير في لـ"طريق الشعب"، إلى أن مدينة بعقوبة، مركز المحافظة، باتت مقسمة فعليا إلى شطرين، غربي وشرقي، حيث يتركز الجزء الأكبر من المعاناة في الجانب الشرقي الذي يضم مناطق مثل جرف الملح وباب الدرب، فضلاً عن الغربي الذي يضم مناطق الحي والمفرق والكاطون، التي يصفها بأنها مناطق منكوبة خدميا.

ويؤكد أسعد أن منطقتي الرحمة والرازي، لم تشهد أي تطوير أو مشاريع خدمية حقيقية منذ عام 2003 وحتى اليوم، رغم الكثافة السكانية الكبيرة التي تجعلها من أهم مناطق بعقوبة. ويقول إن هذه المناطق تعيش ظلماً واضحاً من حيث الإعمار والتطوير، وإن الحكومات المحلية المتعاقبة لم تلتفت لاحتياجاتها رغم مرور سنوات طويلة على المطالبات والشكوى.

ويلفت إلى أن بعقوبة تضم اليوم أحياء يسكنها أكثر من مئتي ألف نسمة، لكنها ما تزال تفتقر إلى مشروع مجار فعال. ورغم وجود مشروع للمجاري في غرب بعقوبة، إلا أنه، بحسب وصفه، مشروع مبهم وفاشل، لا تظهر له نتائج ملموسة على الأرض، إذ لا توجد آليات تعمل بوضوح، ولا قاطع واحد اكتمل أو بُلط أو أُنجز بصورة فعلية. واللافت أن المشروع من المفترض أن ينتهي في شباط 2026، إلا أن غياب الرقابة من الوزارة والمحافظة جعله مشروعا بلا مؤشرات تقدم حقيقية.

ولا يقتصر التراجع الخدمي على بعقوبة وحدها، إذ يذكر اسعد مناطق الخالص وما حولها بوصفها من أكثر المناطق حرمانا، حيث تعاني نقصا في الماء والمجاري والتبليط، إضافة إلى أحياء شرق بعقوبة الأخرى مثل جرف الملح وباب الدرب، التي تتكرر فيها المشاهد نفسها من الإهمال وضعف الخدمات.

ويضيف ان "الواقع اليومي يعكس حجم الأزمة؛ فبعد موجة الأمطار التي هطلت قبل أسبوع، ما تزال الشوارع تغرق حتى اللحظة، والمدارس مغمورة بالمياه، والناس غير قادرة على الخروج من منازلها بسهولة للعمل أو للدوام المدرسي".

 ويصف أسعد كيف يضطر الطلبة لعبور الطين والمياه من أجل الوصول إلى مدارسهم التي تفتقر بدورها إلى أبسط مقومات الصيانة، بينما تغيب الحلول الجذرية وتبقى المعالجات ترقيعية ومؤقتة.

وبرغم تصريحات مجلس المحافظة الأخيرة حول استضافة مدير مجاري ديالى، يؤكد أن الواقع لم يتغير، وأن المواطنين ينتظرون خططا حقيقية لا تقتصر على الكلام، بل تعتمد التنفيذ الفعلي، بعد سنوات طويلة من الوعود بلا نتائج.

غضب شعبي!

وقال باقر محمد، أحد الناشطين في المحافظة، إن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مناطق عدة في المحافظة، ومن بينها قضاء الخالص، جاءت نتيجة تدهور حاد في الخدمات الأساسية وتراكم الإهمال الحكومي عبر سنوات طويلة، مؤكداً أن الشارع المحلي "وصل إلى مرحلة لم يعد فيها قادراً على الصبر".

وأضاف محمد لـ"طريق الشعب"، أن "التظاهرات التي تخرج بين فترة وأخرى لم تكن حدثا عابرا، بل تعبير واضح عن غضب شعبي واسع تجاه واقعٍ خدمي مترد يشمل أغلب مناطق المحافظة، من الطرق المتهالكة، وتعطل مشاريع الصرف الصحي، إلى الانقطاعات المستمرة في الكهرباء ونقص المياه".

وتابع أن "الناس خرجوا لأن حياتهم اليومية أصبحت مليئة بالمعاناة من صعوبة التنقل، إلى جانب تكدس النفايات، وصولًا إلى غياب أي خطوات حكومية ملموسة لتحسين الوضع".

وأشار إلى أن أبرز أسباب الاحتجاجات تعود لـ "توقف مشاريع حيوية منذ سنوات طويلة، وعدم وجود متابعة حكومية جدية، إضافة إلى سوء الإدارة والبيروقراطية التي عطلت تنفيذ بنى تحتية كان يمكن أن تغيّر واقع المحافظة".

وبين أن الوضع الحالي "أقرب إلى مرحلة الانفجار الاجتماعي"، لافتاً إلى أن أهالي ديالى يشعرون بأن مناطقهم خُذلت على مستوى الخدمات، رغم الوعود المتكررة بإعادة التأهيل والإعمار.

وزاد بالقول: "لا يمكن مطالبة الناس بالبقاء صامتين فيما تتدهور ظروفهم المعيشية يوما بعد آخر".

وختم بالقول إن المواطنين اليوم "لا يطالبون إلا بالحد الأدنى من حقوقهم الأساسية"، داعيا الحكومة المحلية والمركزية إلى التحرك العاجل، ووضع خارطة عمل واضحة تضمن استئناف المشاريع المتوقفة وتحسين واقع الخدمات قبل أن تتوسع رقعة الغضب الشعبي أكثر.