العربي الجديد
برزت في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية لجنة "تجميد أموال الجماعات الإرهابية"، كأحد مخرجات الضغوط الأميركية المتواصلة على العراق منذ مطلع العام الحالي 2025 حيال العلاقات المالية بين العراق والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، والحوثيين، التي باتت تعرف داخل الأوساط السياسية العراقية بملف "فك الارتباط مع إيران".
القرارات التي نشرتها جريدة "الوقائع" العراقية الرسمية، والقاضية بتصنيف "حزب الله" اللبناني، و"أنصار الله" اليمنية (الحوثيين)، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وتجميد أصولهما المالية، صدرت عن لجنة تجميد أموال وأصول الجماعات الإرهابية، وهي لجنة مرتبطة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، وتشترك فيها عدة وزارات وأجهزة وهيئات أمنية واستخبارية ومالية وقضائية، ما يجعل قرارها ملزماً، خصوصاً بعد إدراجه ونشره في الجريدة الرسمية.
وبعد ساعات من النشر، أصدرت لجنة تجميد الأصول وأموال الجماعات الإرهابية في العراق بياناً قالت فيه إن ما نُشر حصل دون تنقيح، وسيُصحَّح.
ممَّ تتألف اللجنة؟
لجنة تجميد أموال وأصول الجماعات الإرهابية، ترتبط بالأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، واتخذت شكلها الحالي في يناير العام الجاري، بعد إضافة عدة هيئات ووزارات لها، وشاركت في اجتماعات ولقاءات لوفود وزارة الخزانة الأميركية إلى بغداد.
يقع مقر اللجنة في المنطقة الخضراء ببغداد، وتتولى تجميد أموال الأفراد والجماعات المتورطة بالأعمال الإرهابية الذين صُنِّفوا على الصعيد المحلي في العراق، أو الذين حددتهم لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة والمنشأة بموجب قرارات مجلس الأمن، بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو بناءً على طلب دولة أخرى تمتلك بغداد معها مواثيق أو اتفاقات أمنية.
وتتألف اللجنة من نائب محافظ البنك المركزي العراقي، بوصفه رئيساً، والمدير العام لمكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بوصفه نائباً، وعضوية كل من وزارة المالية، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، ووزارة التجارة، ووزارة الاتصالات، ووزارة العلوم والتكنولوجيا، وهيئة النزاهة، وجهاز مكافحة الإرهاب، وجهاز المخابرات الوطني.
وتصدر اللجنة بين وقت وآخر قرارات تُعتبر بحكم الأحكام القضائية، من حيث كونها باتة وملزمة لكل المؤسسات العاملة في الدولة العراقية، وهي تُنشر عبر الموقع الرسمي لمكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إحدى المؤسسات الرسمية المرتبطة برئيس الوزراء.
قرار يشرح حجم الضغوط على بغداد
وتولت اللجنة خلال الأشهر الماضية إعادة تصنيف أو تصنيف جديد للعشرات من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "أنصار السنة"، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى، غالبيتها عراقية، وأخرى إقليمية مثل تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، وتنظيم القاعدة في اليمن، وجبهة النصرة في سورية، وأنصار الدين في سورية، وأخيراً حزب العمال الكردستاني التركي المعارض لأنقرة.
وهذه المرة الأولى التي تُصنف فيها اللجنة جماعات تُعتبر حليفة أو مؤيدة للقوى السياسية الحاكمة في العراق، مثل حزب الله اللبناني الذي شارك بدعم الفصائل العراقية في سنوات القتال ضد تنظيم "داعش"، أو جماعة الحوثي التي تمتلك تمثيلاً يمتد لعدة سنوات في بغداد.
وفي أول تعليق من كتائب حزب الله العراقية، هاجم القيادي في الجماعة حسين مؤنس، حكومة محمد شياع السوداني، ووصفها بأنها "سلطة مرتجفة تابعة"، مضيفاً أنها "لا تملك الحد الأدنى من الكرامة"، واصفاً تصنيف حزب الله منظمة إرهابية من قبل الحكومة العراقية بأنها "ليست حكومة ذات سيادة، ولا شجاعة".
عضو في الائتلاف الحاكم بالعراق "الإطار التنسيقي"، عدي الخدران، أبلغ "العربي الجديد"، بأن خطوة إدراج حزب الله والحوثيين على قوائم الإرهاب في العراق "جاءت استجابة لضغوط وتهديدات أميركية. هذا الأمر غير مقبول ولن نسكت عنه، وسيكون هناك مواقف سياسية وشعبية رافضة".
واستبعد الخدران مسألة الخطأ في إيراد الأسماء، قائلاً: "قرارات كهذا غير مدروسة وتأتي بضغوط خارجية، قد تدفع الحكومة في المستقبل إلى إدراج فصائل عراقية وقياداتها على قوائم الإرهاب، ولهذا سيكون هناك موقف لمنع إجراءات كهذا تدفع العراق نحو مشاكل داخلية وخارجية".
الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري، مجاشع التميمي، قال لـ"العربي الجديد"، إن العراق "ملزم عملياً بالتعامل مع أي تصنيف يصدر عن الخزانة الأميركية، طالما أن القطاع المالي العراقي مرتبط بالدولار وعمليات مزاد العملة، وهذا ليس جديداً، فقد سبق لوزارة العدل العراقية أن طبقت رفع اسم ابن معمر القذافي من قوائم العقوبات فور رفعه من قبل الخزانة الأميركية. وأما ثالثها، فهو الحفاظ على الاستقرار المالي ومنع إدخال البلد في مواجهة مع النظام المالي الدولي".
واعتبر التميمي أن "تبعات القرار، داخلية وخارجية، فداخلياً قد يثير حساسية سياسية لدى بعض القوى، لكنه سيُستخدم رسمياً حمايةً للقطاع المصرفي، وخارجياً يمنح بغداد هامشاً أفضل لتجنب عقوبات مؤلمة على المصارف والتحويلات، ويبعث برسالة طمأنة إلى واشنطن بأن العراق ملتزم ضوابط الامتثال المالي"