اخر الاخبار

أعلنت هيئة النزاهة عن رصد تضارب مصالح لدى خمسة مسؤولين، واستلام كشوفات مالية لـ524 مكلفاً، حيث كشفت في تقرير لها أن عدد المكلفين الذين أفصحوا عن ذممهم المالية بلغ 524 مسؤولاً، فيما تم رصد مخالفات في موضوع تضارب المصالح لدى خمسة مسؤولين فقط.

وأثار هذا التقرير انتقادات واسعة؛ إذ يشير مراقبون إلى أن هذه الأرقام لا تعكس حجم الفساد الحقيقي، وأن تحديد المخالفين بخمسة أشخاص فقط، يعكس هشاشة الأجهزة الرقابية ومحدودية قدرتها على محاسبة المسؤولين.

فيما يرى المختصون أن النفوذ المالي أصبح مكشوفاً بوضوح، وأن الفترة الحالية التي تسبق الانتخابات شهدت محاولات فاضحة لشراء الولاءات السياسية وذمم المواطنين، حيث وصلت أسعار بطاقات الناخبين إلى مستويات غير مسبوقة في بعض المناطق.

تقرير يكشف هشاشة الدولة ومؤسساتها

وفي هذا الصدد، قال الباحث في الشأن السياسي، يعقوب الحساني ان غياب الشفافية في الإفصاح عن الذمم المالية والممتلكات لا يزال يمثل واحدة من أكبر الثغرات في النظام السياسي، وهو ما يثير القلق بشكل كبير خصوصاً في موسم الانتخابات.

ونبه في حديث مع "طريق الشعب"، الى ان المواطن يرى بعينيه حجم الإنفاق الهائل، ولا يعرف مصدر هذه الأموال ولا الجهات المستفيدة منها، وهو أمر يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى نزاهة مشاركين في العملية السياسية والتزام المسؤولين بالقوانين والأنظمة.

وانتقد البرلمان، الذي من المفترض أن يكون أداة محاسبة لكل مسؤول فاسد، لكنه يظهر اليوم عاجزا، وكأن دوره اقتصر على المراقبة الشكلية فقط، دون اتخاذ أي إجراءات رادعة.

زاد بالقول: ان "هذا الإقصاء لمبدأ المساءلة يعطي انطباعا بأن الفساد مستمر بلا توقف، وأن أية محاولات لمكافحته ستظل مجرد شعارات على الورق، دون ترجمة فعلية على الأرض".

وبحسب الحساني فان الأكثر خطورة هو أن هذا كله "يحدث في ظل أسوأ فترة مالية يمر بها العراق منذ عقود، ونرى فيها بذخا وانفاقا مهولا. بينما يواجه المواطن أزمات معيشية حادة بشكل يومي، والأسعار في ارتفاع مستمر، والخدمات الأساسية شبه غائبة، ومع ذلك لا تتحرك الحكومة لمواجهة هذه الأزمة بشكل جدي وملموس".

واشار الى ان "الفشل الحكومي في هذا الشأن يشجع على الاستمرار في سياسات الفساد ويضعف الثقة بالمؤسسات العامة، ويترك الشعب عرضة لمعاناة مستمرة بلا حلول".

وخلص الى القول: ان "المواطن يستحق حكومة شفافة تعمل لمصلحته. لا مجرد إدارة للثروات العامة لمصلحة نخبة صغيرة على حساب الأغلبية".

علامات استفهام كثيرة

وجاء طرح المحلل السياسي داوود سلمان متسقا مع ما ذهب اليه الحساني، اذ اكد ان "ما نراه اليوم يؤكد أن الملف المالي في العراق أصبح أكثر تعقيداً مما هو معلن، وأن الفساد بات جزءاً متجذراً في نسيج العملية السياسية".

وقال في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الإعلان الأخير عن رصد تضارب مصالح خمسة مسؤولين فقط، بين أكثر من 500 مكلف بالإفصاح عن الذمم المالية لا يمكن اعتباره مؤشراً حقيقياً على نزاهة النظام الإداري، وانما على العكس، فهو يفضح ضعف المؤسسات الرقابية وفشلها في مواجهة حجم النفوذ المالي الهائل الذي يسيطر على القرار السياسي".

وتابع قائلاً انه "خلال هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، يبدو النفوذ المالي مكشوفاً بشكل غير مسبوق، حيث تتحرك الأموال الكبيرة في محاولة واضحة لشراء الذمم وشراء الولاءات السياسية".

وتساءل سلمان عن "كيف يمكن أن يكون عدد المخالفين الرسميين خمسة فقط، في حين أن الاستعراض المالي والبذخ هذه الفترة يبين بشكل فاضح حجم الثراء والثروة مجهولة المصدر لدى هؤلاء؟".

ورأى ان "الافصاح عن الذمم المالية غالباً ما يكون حبراً على ورق، والمخالفات التي يتم رصدها محدودة جداً مقارنة بالحجم الفعلي للفساد والنفوذ السياسي في المؤسسات الحكومية"، لافتا الى ان "هذا الفشل في ضبط الأموال والسيطرة على تضارب المصالح يعكس هشاشة الدولة، ويثبت أن العملية الانتخابية أصبحت رهينة للمال، لا إرادة الشعب".

وخلص الى القول ان "الأخطر  في كل ما تقدم، هو أن استمرار هذه السياسات في فترة مالية ومعيشية صعبة يضاعف معاناة المواطنين ويزيد من فجوة الثقة بين الشعب والدولة"، مؤكدا ان "الفساد المالي المكشوف دون محاسبة حقيقية، يضرب أسس الديمقراطية نفسها، ويحوّل الانتخابات إلى مجرد مسرح لاستعراض النفوذ والثراء الشخصي، بدل أن تكون أداة لممارسة الإرادة الشعبية".

فساد مالي يعمّق معاناة المواطنين

الى ذلك، قال المراقب للشأن السياسي زين العابدين البصري، ان غياب الشفافية ما زال يحيط بملفات الإفصاح عن الذمم المالية والممتلكات، وهو الملف الذي يُفترض أن يكون حجر الزاوية في محاربة الفساد، لكنه يبدو، اليوم، بعيدًا كل البعد عن الواقع.

البصري اشر في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان المواطن اضحى "يشاهد بعيون مفتوحة كيف تتدفق الأموال خلال الحملات الانتخابية بلا قيود واضحة أو رقابة فعالة، ويطرح نفسه السؤال البديهي: من أين تأتي هذه الأموال، ومن يستفيد منها، ولماذا لا تُكشف أمام الرأي العام؟".

وتابع قائلاً ان "البرلمان في دورته الخامسة يبدو عاجزاً بشكل فاضح، وربما متواطئاً بطريقة غير مباشرة، إذ يقتصر دوره على التأكيد على الإجراءات الشكلية دون ترجمتها إلى ممارسات فعلية تحمي المال العام".

ويجد البصري ان هذا العجز "يعطي انطباعاً بأن منظومة الفساد متغلغلة وقوية ومستمرة واصبحت بلا رادع، وأن أي حديث عن الإصلاح أو مكافحة الفساد في ظل هذه المعادلة القائمة، يظل شعاراً إعلامياً، لا أكثر ولا أقل".

واردف بالقول ان استمرار هذا الوضع يضعف ثقة المجتمع بالمؤسسات الضعيفة اساساً، ويغذي شعور الناس باليأس والإحباط، ويؤسس لمزيد من الانقسام الاجتماعي والسياسي، داعيا الجهات المعنية الى "تفعيل رقابة فعلية واستقلالية حقيقية للهيئات الرقابية، لأننا، بخلاف ذلك، سنشهد استمرارا للفساد كقاعدة حاكمة، وستبقى المؤسسات عاجزة عن حماية المال العام أو ضمان نزاهة العملية السياسية".