اخر الاخبار

قانون يرسخ الطائفية ويهدد حقوق المرأة

نشر المركز الفرنسي لأبحاث العراق دراسة للباحثة هيام علي، ناقشت فيها التعديلات المراد إدخالها على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، والذي يعّد أحد أكثر الأطر القانونية تقدمية في المنطقة العربية، لضمانه العديد من حقوق المرأة في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وتحديد سن الثامنة عشرة للزواج، مع استثناءات تسمح به في سن الخامسة عشرة عند توفر ظروف محددة وبموافقة المحكمة.

محاولات لإجهاض القانون

وبعد أن ذكّرت الدراسة بالمحاولات المستمرة لتعديل هذا القانون، من منطلقات طائفية وسعياً لتعزيز سلطة الذكور وتقليص حقوق المرأة، أشارت إلى أن المحاولة الأخيرة جاءت لتبدو ديمقراطية بادعائها منح العراقيين الحق في الاختيار بين السلطات الدينية و القضاء المدني في التعامل مع شؤون الأسرة، مبينة بأن هذا الأمر سيرتد عكسياً بالممارسة العملية، ويؤدي إلى تمكين الديناميكيات المتطرفة وتقليص الحقوق المتعلقة بالميراث والطلاق وحضانة الأطفال فضلاً عن خفض الحد الأدنى لسن زواج الفتيات، إضافة إلى خلق سلطة تشريعية موازية تفرض قوانين تستند إلى تفسيرات خاصة للفقه الديني، مما يشكل تحدياً لسلطة الدولة ويقوض الحق الدستوري في المساواة من جهة، ويطمس الخط الفاصل بين الممارسات الثقافية المحافظة والدين والمعايير العرفية من جهة أخرى. 

تغييرات جوهرية

وذكرت الباحثة بأن القانون الحالي يمنح الأم الحق في حضانة الطفل حتى لو اختارت الزواج مرة أخرى، على أن يختار الطفل بنفسه وعند بلوغه سن الخامسة عشرة، أي من الوالدين يرغب في العيش معه، بشرط أن ترى المحكمة أن اختياره كان دقيقاً. كما ينص القانون على أن الأمور المتعلقة بالطلاق، كالانفصال والنفقة، تنظمها هيئات القانون المدني ذات الصلة بالقضاء.

وبينت الدراسة بأن أصحاب التعديلات يريدون إنشاء مدونتين قانونيتين وفق المذهبين الدينيين السائدين في المجتمع، مما سيفتح الباب واسعاً أمام تفسيرات بشرية متعددة لأحكام الفقه، وتطبيقات غير متساوية وظالمة من قبل شيوخ غير متخصصين بالقانون، مما قد يشكل خطراً جدياً على الشفافية والنزاهة وحق المواطنين، الذكور والإناث، في المساواة امام القانون.

وأضافت الكاتبة بأن من شأن التعديل حرمان الأم من حقوق الحضانة في حالة زواجها مرة أخرى، وتخفيض حقها في الحضانة لما لا يزيد عن سبع سنوات، وعلوية الأحكام الفقهية لمذهب الزوج على الأحكام الفقهية لمذهب الزوجة، وهو ما يُنظر إليه على أنه تعزيز للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إبعاد العراق عن دستوره المدني.

رفض شعبي

وأكدت الكاتبة على ما أثارته هذه التعديلات من ردود أفعال واسعة في المجتمع، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام أو لدى منظمات المجتمع المدني والناشطات النسويات وقطاعات مختلفة أخرى، وحتى بعض السياسيين من المدافعين عن حقوق النساء. واشارت إلى أن ردود الفعل هذه تمثلت في حملات رفض واسعة للتعديلات المقترحة باعتبارها تراجعا عن إنجازات قانون 188 الذي منح العراقيين صفة مدنية للتعامل مع الأمور الشخصية، وسعياً لإعادة العراق إلى حالة ما قبل الدولة.

أسباب الرفض

ولخصت الكاتبة أسباب الرفض بمواضيع رئيسية تتمثل في خفض السن الأدنى لزواج الفتيات من 18 إلى 9 سنوات، وحرمان النساء من حقوق الميراث في العقارات وفرض المتعة كشرط للنفقة أي أن الزوجة التي لا توفر المتعة لزوجها لن تحصل على النفقة، وفتح الباب أمام تفاقم حالات الزواج غير الرسمي وظاهرة زواج الاطفال، وتشديد الانقسام المجتمعي وتقييد الحرية الشخصية، وخلق التعقيدات القانونية المعرقلة لحل القضايا والمشاكل العائلية، وتفضيل سلطة المشايخ على المؤسسات القضائية دون تحديد صلاحيات وآليات هذه السلطة.

استمرار النضال

ودعت الباحثة إلى مواصلة العمل لمقاومة محاولات تقويض النظام المدني والعودة إلى حالة ما قبل الدولة، ومن أجل الحفاظ على الحقوق الفردية وتوفير الحماية القانونية المتساوية للجميع، من خلال تبني نهج قانوني مدني يتجاوز الانقسامات الطائفية ويحافظ على حقوق الإنسان.