تنافس متجدد
كتب بينا فيك وباربارا سالفين مقالاً لموقع معهد ستمسون الأمريكي، حول العلاقات الجيوسياسية للعراق، على هامش زيارة الرئيس الإيراني الجديد لبغداد و مذكرة التفاهم التي وقعها العراق مع تركيا بشأن التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب.
تنافس تاريخي
وأشار المقال إلى أن التنافس متعدد الأشكال بين الجارتين تركيا وإيران ليس وليد اليوم، بل له جذور عميقة في التاريخ الحديث للمنطقة، ويبدو إنه يتصاعد من جديد. فبعد أن كان النفوذ التركي في العراق قوياً جداً في ظل دكتاتورية صدام حسين، مع استثمارات متعددة وتجارة كبيرة، ترسخ لإيران دور مهم في السياسة العراقية بعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003 وإسقاط نظام صدام، حيث تقدر عدد القوى المتحالفة معها اليوم بأكثر من 12 حزباً سياسياً ومجموعة عسكرية.
نفوذ من الشمال
ورأى الكاتبان بأنه وبعد مذكرات التفاهم، التي أعقبت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد، تعزز نفوذ أنقرة السياسي والأمني بشكل ملحوظ، حيث قام العراق بحظر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، وبدا وكأن هناك إضفاء ما للشرعية على عملياتها ضد هذا الحزب عبر الحدود ومن خلال مواطئ القدم التي أنشأتها قواتها في الأراضي العراقية، في وقت يشير فيه اتفاق أمني أخير بين البلدين إلى عزمهما على تنسيق الجهود لحماية أمنهما ومصالحهما الوطنية وتعزيز التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي من خلال تبادل المعلومات حول المنظمات الإرهابية وإنشاء مركز تنسيق مشترك في بغداد.
وذّكر المقال بمشكلة المياه، التي طالما كانت سبباً قديماً للخلافات بين البلدين، حيث تشتكي بغداد من استنزاف السدود التركية لمستويات مياه نهري الفرات ودجلة، اللذين ينبعان من تركيا ويشكلان مصدراً حيوياً للمياه بالنسبة للعراق، فيما لا ترى أنقرة نفسها مخطئة وتطالب بغداد بتحسين بنيتها التحتية القديمة للري لتحقيق استخدام أكثر كفاءة للمياه. كما رأى المقال أن للإتفاقية الأمنية علاقة واضحة بصفقة اقتصادية ضخمة تصل قيمتها إلى 17 مليار دولار وتهدف إلى إنشاء ممر محوري بين آسيا وأوروبا عبر تركيا يسمى طريق التنمية.
تذمر من الشرق
وذكر المقال بأن الاتفاق العراقي التركي لقي الكثير من الجدل بين العراقيين، الاً إن أكثر الإنتقادات جاءت من القوى الحليفة لطهران، التي غالباً ما تعبر عن إستيائها من الوجود العسكري الأمريكي المستمر في العراق، والتي انتقدت بشدة مشروع طريق التنمية، ووصفته بأنه مصدر قلق متواصل، بل واعتبرته وصمة عار في تاريخ السياسيين العراقيين، و تكلفة أخرى يتحملها الشعب العراقي بسبب فشل السياسيين وفسادهم.
وأشار المقال إلى أن هذا التنافس يمتد إلى إقليم كردستان في الشمال العراقي، حيث هناك أحزاب تدعمها أنقرة وأحزاب تدعمها طهران، فيما صارت سنجار، موطن الأقلية الإيزيدية، مركزًا للمكائد والصراع، وساحة معركة استراتيجية لمجموعة متنوعة من الدول والفصائل المسلحة والجواسيس الذين يسعون إلى تعزيز نفوذ رعاتهم المختلفين، إضافة إلى تركيز تركي مهم على الموصل وكركوك ودهوك، الغنية بالنفط والتي كانت هدفًا للتطلعات الإقليمية التركية في الماضي.
تفوق نسبي للأتراك
وخلص المقال إلى القول بإن موطئ قدم تركيا الصناعي القوي في الشرق الأوسط يمنحها القدرة على توسيع حصتها في السوق، وزيادة الإنتاج، وتعزيز الأرباح، وتعزيز فرص العمل، وترسيخ أسسها الاقتصادية. ومن الناحية الاستراتيجية، قد يساعد مشروع طريق التنمية تركيا وبغداد في تحجيم صلاحيات الإقليم وإضعاف مقاومة حزب العمال الكردستاني، خاصة بعد أن تفوقت تركيا على إيران سواء كمصدر رئيسي للسلع التجارية إلى العراق، أو من خلال كبار المستثمرين في مشاريع البناء والبنية التحتية وفي قطاعات الطاقة والمياه والبتروكيماويات.