اخر الاخبار

في أعقاب الحريق الكبير الذي اندلع في "مجمّع هايبر ماركت" بمدينة الكوت، والذي أوقع أكثر من 100 شخص بين قتيل وجريح، ووسط مخاوف حكومية من حصول حوادث مماثلة في مناطق أخرى من البلاد، راحت الجهات المسؤولة تنفّذ حملات واسعة لمتابعة شروط السلامة في المباني التجارية وغيرها، ما كشف عن مئات المباني المخالفة لتلك الشروط، لينتهي الأمر إلى إغلاقها.

يأتي ذلك وسط غضب شعبي واسع على السلطات، جراء إهمالها ملف شروط سلامة البناء، والذي أدى منذ سنوات ولا يزال يؤدي، إلى حرائق كارثية يروح ضحيتها العشرات من الأبرياء.

وينتقد مواطنون الجهات الحكومية على عدم تطبيقها القوانين إلا بعد حصول الكوارث. حيث يشير الكثيرون منهم عبر وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى ان المشكلة الأساسية تكمن في الفساد الإداري والمالي. إذ تُمنح موافقات على افتتاح أبنية غير مستوفية شروط السلامة، مقابل وساطات ورشاوى، أو بناءً على علاقات ومحسوبيات بين أصحاب المباني المخالفة، والسلطات المعنية.

وتتكرر حوادث الحريق منذ سنوات، ولم تقتصر على المباني التجارية، بل تجاوزت ذلك إلى المؤسسات الحكومية، ومنها المستشفيات. فلم ينس العراقيون حريق "مستشفى ابن الخطيب" في بغداد عام 2021، والذي أسفر عن موت أكثر من 80 شخصا واصابة نحو 110 اشخاص، وحريق "مستشفى الحسين" التعليمي في الناصرية خلال العام نفسه، والذي خلف أكثر من 90 قتيلا وعشرات المصابين، وقبل ذلك في العام 2016 نشب حريق في قسم الخدج بمستشفى اليرموك، وأسفر عن تفحم نحو 11 طفلا، هذا فضلا عن الحرائق التي تتكرر في الأراضي الزراعية والبساتين والأسواق.

وبالنسبة لحريق الكوت الأخير، أظهرت تقارير محلية أنّ المبنى يفتقر إلى أبسط تجهيزات الوقاية والسلامة. فلا مخارج طوارئ ولا أنظمة إنذار ولا إجراءات إخلاء مُعتمدة. بينما بدت إجراءات الإنقاذ ضعيفة للغاية، ما كشف عن تقصير وإهمال كبيرين حتى في هذا الجانب، وفقا لما نقلته وسائل إعلام ومواطنون عبر مقاطع مصورة، وتحدث عنه شهود عيان.

وأثار حريق الكوت غضب أهالي المدينة. إذ يواصلون منذ الخميس الماضي احتجاجات واسعة مطالبين بإقالة المحافظ وجميع المسؤولين المعنيين، في الوقت الذي قضت فيه لجنة التحقيق المشكلة من قبل رئيس الوزراء، بسحب اليد من بعض المسؤولين المحليين وملاحقة مسؤولين سابقين لم يلزموا صاحب المبنى بتطبيق شروط السلامة.  

حملات متابعة متأخرة!

بدأت مديريات الدفاع المدني في مختلف المحافظات بتنفيذ حملات ميدانية مكثّفة لتلافي تسجيل حوادث جديدة. ووفقاً لبيان صادر عن رئيس دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العميد مقداد ميري، فإنّ "الحملات أسفرت عن تنفيذ 508 أنشطة إغلاق لمشاريع وبنايات خالفت شروط السلامة والأمان"، مضيفا قوله أنّ "هذه الإجراءات جاءت في إطار الجهود الوقائية الرامية إلى فرض الالتزام بتعليمات الدفاع المدني، والحدّ من الحوادث التي قد تهدّد أرواح المواطنين وممتلكاتهم".

وشدّد ميري على أنّ "فرق الدفاع المدني ستواصل إجراءاتها من دون تهاون"، داعياً أصحاب المشاريع إلى "الالتزام التام بمعايير السلامة والاشتراطات القانونية"، وموضحاً أنّ "الهدف من هذه الإجراءات هو حماية الأرواح قبل كلّ شيء وترسيخ ثقافة الوقاية في بيئة العمل".

من جهتها، أعلنت بلديات بغداد، بالتنسيق مع مديرية الدفاع المدني، إطلاق "حملة موسعة لمحاسبة المتجاوزين على أملاك الدولة والمخالفين لشروط البناء ومتطلبات السلامة، وإجراءات ميدانية لجرد المنشآت التجارية والسياحية والحكومية والمشاريع الاستثمارية التي لم تلتزم بتعليمات الدفاع المدني أو استحصال الموافقات الأصولية".

وقال مدير بلديات بغداد ياسر القريشي، في تصريح صحفي، أن "الحملة تشمل جميع مناطق أطراف العاصمة، وتستهدف المباني والمنشآت التي لا تستوفي متطلبات الوقاية والسلامة، مع منح مهلة محدّدة تتراوح بين 10 إلى 30 يوماً لتصحيح الوضع القانوني، على أن تُتّخَذ الإجراءات القانونية بحقّ المتجاوزين، بما في ذلك الغلق والإزالة".

وفي النجف أعلنت قيادة الشرطة إغلاق أكثر من 153 مشروعاً مخالفاً لشروط الوقاية والسلامة.

وقال المتحدّث باسم شرطة النجف مفيد سالم الطاهر أن "الحملة تأتي تنفيذاً لتوجيهات وزير الداخلية، وبإشراف مباشر من قيادة الشرطة ومديرية الدفاع المدني، لضمان بيئة خالية من المخاطر المرتبطة بالمخالفات والإهمال".

أما في كربلاء، فقد أعلنت مديرية الدفاع المدني "إغلاق 482 مشروعاً مخالفاً لشروط السلامة والوقاية منذ مطلع العام الجاري وحتى الآن"، مبيّنةً أنّ فرقها الميدانية "تواصل حملات الوقاية والتفتيش على مدار الساعة، لضمان التزام جميع المنشآت بتوفير منظومات الإطفاء ومخارج الطوارئ وشروط السلامة العامة".

الحملات لن تُغيّر شيئا!

في السياق، يرى مراقبون ومواطنون أنّ الإجراءات الحكومية في العراق عموماً لا تأتي إلّا بعد وقوع الكوارث، أي متأخّرة جداً.

ويقول الناشط المدني سنان علي في حديث صحفي، أن "الحملة لن تغيّر شيئاً من الواقع. نحن أمام آلاف المباني المخالفة لشروط السلامة التي شُيّدت في الأعوام الـ25 الأخيرة"، متسائلاً: "هل يُصار إلى إغلاق كلّ تلك المباني؟".

ويضيف قوله أنّ "السكوت عن هذه المباني طيلة السنوات الماضية جعل العراقيين يعيشون في بيئة خطرة لا تتوفّر فيها شروط السلامة. فالجميع مُجبَر على مراجعة المستشفيات والدوائر والجامعات والمجمّعات التجارية والمطاعم وغيرها، وكلّها تمثّل خطراً حقيقياً على الحياة".

ويتساءل أيضا: "هل سيستمرّ إغلاق تلك المباني، أم أنّها ستعود بعد فترة قصيرة إلى نشاطها من دون أيّ إجراءات ومعالجات لشروط السلامة؟".

مراجعة قوانين منح التراخيص

إلى ذلك، ووسط تصاعد الغضب الشعبي على الفساد المستشري في البلاد كأبرز أسباب الكوارث، يدعو عضو نقابة المهندسين العراقيين علي اللهيبي إلى مراجعة قوانين منح التراخيص للمباني، وتشديدها.

ويقول في حديث صحفي أنّ "المباني التجارية وغيرها في مدن البلاد، والتي شُيّدت بعد عام 2003، أتت معظمها من دون إشراف هندسي حقيقي، ما يجعلها عرضة للخطر، وبالتالي تهدّد أرواح الناس"، مشددا على "ضرورة مراجعة القوانين التي تخصّ منح تراخيص البناء وتشديد الإجراءات العقابية بحقّ المخالفين، وبحق الجهات التي تمنح الرخص من دون إلزام أصحاب المشاريع باتباع المعايير الفنية الحقيقية".