اخر الاخبار

يلسع لهيب النار وجه عامل في مطعم وهو يقلّب سمكة موضوعة أمامه على الحطب. ويعصر وجهه بقوة كرد فعل طبيعي ازاء الحرارة العالية المنبعثة من الجمر، وسط أجواء تموز اللاهب!

وفي مشهد مماثل يرتدي العامل حسام الدين عباس، اكثر من قميص، على الرغم من النار وارتفاع درجات الحرارة، ويغطي وجهه بقطعة قماش سميكة ويضع قبعة على رأسه ويرتدي النظارات والكفوف، وهو يواجه نار الشواء.

مثل هذا المشهد يتكرر في الأسواق والمطاعم والأفران. فعلى الرغم من ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن العمال يكافحون ويواصلون عملهم من أجل لقمة عيش أسرهم، دون أن يتبعوا أدنى شروط السلامة.

مُرغمون على مواجهة اللهيب!

في حديث صحفي، يقول العامل عباس، أنه "أحاول من خلال الملابس الثقيلة التي ارتديها، أن أقي جسدي من الحرارة العالية والحروق".

ويضيف قوله أن "عملنا في المخابز والأفران وشي السمك لا يتوقف في مختلف الظروف، ولا توجد ضوابط او تعليمات معينة توقف عملنا في الأيام الحارة، لأن ذلك مرهون بقرار رب العمل فقط".

ويتابع عباس قائلا أن "توقف العمل يضر بنا كثيرا كعمال نتقاضى أجرا يوميا أو أسبوعيا نعيل به أسرنا. فكل يوم نتوقف فيه عن العمل، يُخصم من أجورنا"، مؤكدا أن "مواصلة العمل وسط النار والحرارة العالية، في مثل هذه المهن، يُعرضنا إلى إصابات جسدية، وأمراض مختلفة".

وبموجب القوانين النافذة، فانه يجب توفير مستلزمات السلامة للعاملين في مثل هذه المهن، بيد ان القوانين لا تزال مجرد حبر على ورق. إذ لا تُطبق غالبا في مجالات عمل القطاع الخاص.

إصابات بالغة

من جانبه، يقول عامل الأفران كريم فرحان، أنه "مضى 15 عاما على ممارستي العمل في الأفران والمخابز وشي الأسماك. وقد عملت في مختلف الظروف دون توقف"، مضيفا في حديث صحفي أن أنه "تعرضت مرات عديدة لحروق في وجهي ويدي، ودخلت المستشفى اكثر من مرة جراء مضاعفات النار والدخان. كذلك تعرضت مراراً للاختناق".

ويوضح أن "الفرن والشواية، تبلغ درجة حرارتهما 50 درجة مئوية على أقل تقدير، تضاف إلى ذلك درجة حرارة الجو التي تناهز الـ50 ايضاً. وبهذا نحن نعمل بدرجة غليان كاملة"، مشيرا إلى انه "لم أشكُ يوما من هذه المعاناة. فأنا وأقراني نكسب قوتنا في ظروف عمل تشبه الجحيم.. الحياة صعبة، لدي عائلة أتكفل الإنفاق عليها".

ويؤكد فرحان أن "العمل في بعض الأفران يتواصل على مدى 12 ساعة، وان اقل وقت يقضيه العامل يوميا في مواجهة النار هو 7 ساعات".

ويستطرد في قوله أن "كثيراً من العاملين تركوا العمل في شي الأسماك خلال فصل الصيف لعدم تحملهم الحرارة الشديدة"، مشيرا الى ان "العمل في مجال شي الأسماك يتطلب وقوف العمال طويلاً تحت الشمس ليواجهوا النار والدخان والشمس الحارة، وهذا ما لا يقوى عليه كثيرون. الا انني اعتدت هذا العمل وتعايشت معه، فهو مصدر عيشي الوحيد على الرغم من الاضرار الصحية التي أتعرض لها والتي تجبرني على ترك العمل لأسابيع".

أما عبد العزيز عبد الواحد، وهو صاحب مطعم سمك، فيقول في صحفي أنه "ليس باليد حيله. لا يمكن غلق المطعم خلال ارتفاع درجات الحرارة لأنه سبيل عيشنا الوحيد". ويبدي عبد العزيز تعاطفه مع العمال في فصل الصيف، حيث النار والشمس والدخان، ويثني على جهودهم وصبرهم، مشيراً في ذات الوقت إلى انه "أستبدل عمال شي الأسماك بين فترة واخرى، أما لتركهم العمل او تعرضهم لإصابات تمنعهم من مزاولته".

ماذا عن قانون العمل؟!

إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني نور الدين مهدي، أن "قانون العمل لسنة 2015 يوجب اتباع تدابير الصحة والسلامة الأساسية وتوفير بيئة عمل لائقة وصحية وسليمة، وتدريب العاملين على كيفية تجنب المخاطر المهنية، فضلا عن نشر ثقافة الصحة والسلامة المهنية بين العاملين وتثبيت الضوابط الخاصة بمخاطر المهنة في مكان ظاهر في موقع العمل".

ويلفت في حديث صحفي إلى ان "قانون العمل يشدد على ضرورة توفير مستلزمات الإسعافات الطبية الأولية في مكان العمل وضمان إجراء الفحوصات الطبية الابتدائية والدورية لكافة العمال، للتأكد من سلامتهم من جميع المخاطر المهنية، إضافة الى توفير معدات الوقاية الشخصية المناسبة للعمال دون ان يتحمل العامل أي تكاليف مالية، بل يجب توفيرها من قبل ارباب العمل".

ووفقا لأطباء واختصاصيين، فإن الوقوف فترات طويلة في أفران الصمون أو أمام شوايات الاسماك في الصيف، يؤدي إلى اضطراب الدورة الدموية، إضافة الى ارتفاع معدلات ضغط الدم، وتورم والتهاب الساقين، وآلام في الظهر والرقبة والكتفين وتشنجات العضلات.

وإضافة إلى عمال الأفران وشي السمك، هناك مخاطر جمة تواجه عمال معامل الطابوق وعمال البناء والورش الصناعية وغيرهم، في الوقت الذي لا يزال فيه اتباع شروط السلامة شبه غائب، بسبب عدم وجود رقابة حكومية فعلية على ظروف العمل، لا سيما في القطاع الخاص.

وثمة اعتبارات عديدة تُجبر العمال المتضررين على الامتناع عن تقديم شكاوى للنقابات أو الجهات الحكومية المعنية، ومنها الخوف من فقدان العمل وعدم الثقة في الاجراءات التي يمكن ان تتخذ، إضافة الى يأسهم من تحسين بيئة العمل.