اخر الاخبار

لا تدخر السلطة جهداً وتسخير إمكانيات مالية وبشرية في سبيل إدامة وجودها في الحكم. وبعد ست سنوات على انطلاق انتفاضة تشرين 2019، ما تزال تنظر إليها ككابوس يهدد هيمنتها وتسلطها، لذا هي تعمل على تشويه صورة الانتفاضة، موظفة في ذلك عدة وسائل مرئية ومسموعة وجيوشاً إلكترونية، وإذا اضطرها الأمر، تخرج القيادات إلى العلن في لقاءات رنانة لبث خطابهم على مسامع الناس، وكأن الحل والربط في أيديهم، وهم في نفس الوقت، لا يبذلون أي جهد في سبيل تحقيق ما يعدون به. المعلوم، المؤكد أن القوى الماسكة بسلطة القرار منذ بدء عملية التغيير، توفرت لديها إمكانيات مادية هائلة، جرى هدرها وتسربت إلى جيوب فاسديهم، دون أن تكون هناك رقابة حقيقية على اعتبار أن السلطة جرى تقاسمها عبر النهج المحاصصاتي الطائفي القومي، وبذلك أسهمت في تراجع الوضع الاقتصادي ما انعكس على حياة المواطنين وظروفهم اليومية. وبسبب هذا النهج السيئ، نظم الشعب قواه وأطلق انتفاضة شعبية كبيرة في العام 2019 هزت أركان هذه المنظومة وأساسها الضعيف، واستطاعت أن تتجاوز حاجز التردد والمحظور وكادت أن تحقق جميع أهدافها لولا الضعف البنيوي في تنظيمها وتشتت قواها وتفرد عدد من قياداتها وكذلك عدم صياغة شعاراتها بطريقة واضحة إضافة إلى عدم وضوح الهدف النهائي، وكذلك تكالب قوى السلطة على إسقاطها. ومنذ اندلاع الانتفاضة، عملت قوى السلطة على تسخير كل شيء من أجل إسقاطها وجرها إلى سياقات بعيدة عن هدفها ومضمونها، فكرروا منذ ذلك الوقت عبارات لا تليق إلا بهم، ليس هذا وحسب بل أغدقوا الأموال لشراء بعض الرخيصين ممن ادعوا مشاركتهم فيها، وزجوا ببعض مواليهم فيها ونالوا جراء ذلك امتيازات كبيرة، وكبرت كروشهم بسبب سبهم وشتمهم للانتفاضة وشبابها، وبالتالي بات ذلك مصدر ارتزاق لهم. وواضح أنه كلما تصاعدت المطالبة بالتغيير شعبياً، عمدت القوى المستفيدة من الأزمات إلى تأجيج بعض الصراعات الجانبية، وتعليق أسباب فشلهم، على شماعة تشرين وشبابها، بغية إلهاء الناس وصرف انتباههم عما يتعلق بمصالحهم وعن تطلعاتهم إلى قيام نظام سياسي جديد، يوفر لهم العيش الكريم والأمن والاستقرار. ومثلما أشرنا، يخرج قادة القوى المتنفذة، بين الحين والآخر في لقاءات وحوارات وفعاليات مختلفة، في أمور بعيدة تماماً عن الواقع، ومستغلين ذلك لدس السم والتسقيط والتشهير بالانتفاضة وداعميها، حيث باتت الانتفاضة كابوساً يلاحقهم، وبالتالي هم يريدون التخلص منها في أي صورة. لقد أسهم المشاركون الأبطال في انتفاضة تشرين العظيمة وداعموهم من أبناء شعبنا العراقي الخيرين في بدء عملية هدم جدار منظومة المحاصصة والفساد، وإطلاق مشروع الخلاص منها. وتبقى مطالب المنتفضين شاخصة، بعد مرور ست سنوات على تصاعد الغضب الشعبي في الأول من تشرين الأول 2019، وما تلاه من انفجار جماهيري في الشوارع والساحات، لأن عوامل انطلاقها ما زالت قائمة، والمتسببون في اندلاع شرارتها ما زالوا يحكمون، وهذا ما يدفع إلى اتساع نطاق الأزمة وتعمقها، ولهذا تتجدد الفعاليات الاحتجاجية في كل يوم وفي أي مكان. المؤمل أن تحين من جديد لحظة الوعي الجماهيري، لأن الحقوق المسلوبة لا يمكن أن تعاد لأصحابها ما لم يكن هناك اصطفاف جماهيري واسع للمساهمة في عملية التغيير الشامل عبر صناديق الاقتراع أو فعل جماهيري أوسع من انتفاضة تشرين ومطالبها، وهذان الأمران ممكن التحقيق، شرط تكوين هذا الوعي، وعندها سنرى المتنفذين يساقون إلى المحاكم جراء ما ارتكبوه من موبقات بحق شعبنا العراقي. ستظل ذكرى تشرين حية وقادة وملهمة، وستبقى ذكرى شهدائها خالدة، وستبقى كذلك خطراً يلاحق المنظومة الفاشلة والفاسدة، فتشرين ليست ذكرى، بل هي مشروع مستمر للتغيير.