عندما تقرع الأجراس؛ يعني أنها تنبه، وتنتصر لهذا التنبيه، ولأن التنبيه يحمل معه انتصاره؛ يحمل معه كذلك تحذيره للباطل ولكل ما هو سيء ولكل ما هو مخالف للحق والعدل والمساواة وسعادة البشر.
نعم.. الأجراس تقرع، لأن هناك ضرورة لقرعها، وايصال صوتها العالي إلى الناس، بوصفهم هم أنفسهم من تعنيهم هذه الأجراس، بوصفها إرادتهم وموقفهم ومبادرتهم.. في الوقت نفسه، تعني هذه الأجراس، إن أعداء أصوات الأجراس هم المعنيون بالتراجع أمام قوة هذه الاصوات التي تمتلك الحقيقة كلها، وليس هناك من قوة يمكن أن تحول دون قرعها.
تشرين الانتفاضة، لم تكن مصدر كراهية، ولم يكن خطابها مسلحاً، ولم تفرق أحداً عن أحد.. وانما كان أهاليها يقرعون الأجراس، لأنهم فقدوا الوطن الذي يفتقدونه، والبلاد التي تنفسوا نسائمها العليلة.
كانوا يريدون وطناً غيبه وباعه وقتل أبنائه، أصحاب النفوذ المسلح، والفساد الذي أفسد الملح ذاته..
لم يبحث ثوار تشرين عن غنيمة ولا وجاهة ولا مال سحت.. كانوا يردون وطناً يؤمن لهم رغيف الخبز، وبلاداً تؤمن لهم العيش الآمن.
كانوا لا يملكون سوى أصواتهم العالية، ومواقفهم الجريئة، وشبابهم الذي يفتدي وجوده من أجل وطن مستقل يعيش أبناؤه أحراراً، وبلاد لا يحسون أبداً أنهم غرباء عن ترابها ونخيلها ونبض الناس فيها.
فهل كانت كل هذه الماني، غريبة على الواقع وعلى الحياة وعلى التغيير الذي تقرع له أجراس؟ أصوات أجراس تشرين، كانت عصية على أسماع الطغيان، وعلى أيدي الفاسدين، وعلى دعاة التقوى الزائفة. تشرين.. أيقظت أولئك الذين ينامون على الحرير ويسهرون على أنين الجياع والمرضى والذين يسكنون في العراء.
تشرين الانتفاضة.. امتلكت أسبابها وضرورتها.. وما زالت هذه الاسباب- الضرورة، حتى اللحظة، ذلك أن القوم صم بكم، وما بهم حاجة إلى الاصغاء إلى أجراس تشرين وهي تقرع.. وستقرع من جديد.. ولا عليها من تهم باطلة وكاذبة، ولا عليها من رصاص آثم، ولا سجن وتعذيب وتشريد.. فكل انتفاضات الشعوب الحية كانت تدفع الثمن، وما من إرادة شعب يحمل أغصان زيتون أن تلبى مطالبه العادلة.
ثوار تشرين، كانوا يعرفون هذا جيداً، وكانت بهم شبيبة تضحي وتواجه القتلة بالمواقف الصلبة وعدالة القضية التي يضحون من اجلها.
من هنا.. كانت الأجراس تقرع في كل حين، وفي كل لحظة، لأنها لم توجد لمناسبة ثم يسكت نبضها.
نبض الأجراس قائم، وإرادة شبيبة تشرين موجودة ويزداد أعداد المنتمين اليها، وما دامت هناك قوى شرسة، تبيع الوطن، وتنهب البلاد والعباد؛ فإن أجراس تشرين ستقرع من جديد.. وكل جديد لا بد ان يتجاوز عثرات الماضي، مثلما يتجاوز كل أولئك الذين ما زالوا يعبثون بثروات البلاد، ويقمعون الحريات ويصادرون أصوات الناس.
نعم.. تشرين أبقى، لأن انسان تشرين هو الأبقى، هو الكائن الوطني الذي لا يتسلح إلّا بانتمائه إلى وطن مفدى وبلاد تحيا وشعب يقظ لا يقبل الظلم والهوان وقد آن الأوان للأجراس أن تقرع من جديد.