قد تُسرق الانتفاضة من مُنظّريها لحُسن نية لأن من يعتنقها يعتقد أن من حقه التصرف بها وتوظيفها بمسارات يعتقد أنها مسارات أفضل للانتصار بما لم يقل بها من نظّروا لها.
في المقابل هناك سوء نية وقصدية في سرقة الانتفاضة والثورة ومكتسباتها، وهذا ما حدث ويحدث وسيحدث كما أعتقد. يحصل هذا في الأغلب الأعم من البعض لأجل تحقيق مكاسب ومنافع شخصية.
ما حدث في تشرين انتفاضة وليست ثورة من وجهة نظري، لأن الانتفاضة هي الاستعداد التام للثورة، ولكن قد لا تُحقق الانتفاضة مراميها نتيجة تحديات داخلية أو خارجية، فهي ثورة لم تكتمل عناصرها، لأن الانتفاضة تكون ثورة حينما تتحقق متطلبات الثوار.
تشرين انتفاضة تحمل بين طياتها عناصر الثورة سواء في المطالب أو في العمل الثوري المُنظم، ولكن النظامين الداخلي والخارجي لم يكونا عاملين مساعدين، إن لم يكونا خاذلين للمنتفضين الذين لم يطلبوا سوى أن يكون لهم وطن حر. خرج الشباب العراقي منتفضًا وكانت الأمهات في المقدمة والشعار الأسمى في تشرين كان (نريد وطن)، لكن الطائفيين كانوا لهم بالمرصاد. لم يكن لأمريكا ممثلة بالبيت الأبيض لها موقف مساند للمنتفضين في تشرين على الرغم من أن المناوئين للمنتفضين يتهمونهم بأنهم مدعومون من الأمريكان، ولو كانوا كذلك لما تخلّى الأمريكان عنهم، وتركهم يواجهون مصيرهم، فكان الشهداء منهم بالمئات والجرحى بالآلاف؟!
السؤال من سرق الانتفاضة؟
الجواب ان من سرق الانتفاضة وتضحيات الشباب وثكل الأمهات هم الذين جاءوا بعد الحكومة التي اجبرت على الاستقالة وكان ذلك بتوافق واضح وليس خفيًا بين الموالين لأمريكا والموالين لإيران من الساسة العراقيين.
كثيرون ادعوا أنهم تشرينيون، ومنهم شارك في تشرين فعلًا فتمكن من التسلق على ظهور الثوار الذين يعون ويعرفون معنى الثورة ولكن من حصد ثمارها هم المخادعون من الذين أتقنوا القتل والتخريب والتدليس أكثر من الوعي بقيمة الثورة.
يطرح الرؤية الخلاصية مفكرون ومثقفون ثوريون يعرفون حجم المعاناة في مجتمعهم وتؤيدهم الجماهير المضطهدة، ولكن في الأغلب الأعم نجد أن "الشطار" و"العيارين" من المثقفين وبعض الناشطين المدنيين سواء من انبرى للوقوف مع المنتفضين لأجل تحقيق مصلحة شخصية، أو بعض الساسة من الذين أيدوا تشرين لكسب جمهورها، أو من صار ضدها لكسب جمهور المعارضين لها. كل هؤلاء شاركوا في سرة الانتفاضة.
هذا ما حصل ويحصل وسيحصل في أغلب الثورات يستشهد القادة الشرفاء المُصدِقون فيها، ويُعزل ولو بعد حين المُنظّرون والمثقفون الذين اكتووا بها، أو يموت كمدًا بعض القادة الأحياء، ويتسيد المشهد الشطار والعيارين، فيتبعهم بعض المثقفين والساسة ممن يُجيدون اللعب على حبال سيرك العملية السياسة.
وعلى الرغم من كل الذي جرى على انتفاضة تشرين من تشويه وما وجه إلى شبابها من تُهم، وما مارسه بعض من شارك في تشويهها، لا سيما بعض من فازوا في الانتخابات السابقة مستغلين تضحيات أبنائها، إلا أنها لا زالت الانتفاضة التي عرت صناع القرار السياسي في العراق وكشفت عن روح وطنية بعيدًا عن الطائفية ونظام الحكم القام على المحاصصة، لأنها رفعت شعار الوطن أولًا، ولا خلاص للعراق إلا باعادة ترميم "الهوية الوطنية" لأنها الحصن الذي يحتمي فيه العراقيون تحت مظلة واحدة أو وطن له سيادته على أرضه ومائه وسمائه هو العراق، وأن العملية السياسية في العراق لا تنتظم بوجود أحزاب مدعومة من الخارج.