كتاب الباحث العراقي الأستاذ حسين سميسم ( الدولة الممكنة ) يشكل علامة فارقة في المكتبة الثقافية العربية، حيث يتناول موضوعا غاية في الأهمية ألا وهو مفهوم الدولة وخاصة إشكالية الإسلام السياسي مع الدولة الحديثة. يتناول الكتاب تشكل الدولة في عالمنا الإسلامي وهل كانت لها ملامح قبل ظهور الإسلام وهل هناك في الدين الإسلامي إشارة من قريب أو من بعيد الى الدولة التي ظهرت في آيتين كريمتين فقط مرة بضم الدال ومرة بفتحها وكانت بمعنى التداول والإنتقال بين الناس من يد الى أخرى ومن حال الى حال..؟ لم تكن الرسالة الدينية بناء دولة إسلامية بل العمل على بناء أمة دينية تلتزم روحيا وأخلاقيا بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. لقد حاول المؤلف وبجهد موسوعي فردي، ربما لا تقوى عليه كبريات المؤسسات الثقافية والمعرفية، على ملاحقة هذا المفهوم وكيف تطور عبر العصور والحقب السياسية المختلفة بصراعاتها الدموية وحروبها وكيف أصبحت الدولة في النهاية حقيقة ثابتة لكل المجتمعات وتم تطويع النص القرآني، من قبل العلماء والفقهاء، كي يكون مفهوم الدولة ذا أصول دينية وهو من يعطي الشرعية للأنظمة السياسية التي حكمت العالم الإسلامي. أي إن الدولة أصبح لها وجهان ديني وسياسي، هذا الخلط ما بين الإلهي والبشري وتداخلهما خلق نوعا من الفصام ليس في الأنظمة السياسية فقط بل عند الأفراد المسلمين وأصبح الشعب بيد حاكم الدولة الذي إمتلك التفويضين، البشري والإلهي، وأصاب تلك المجتمعات الإنغلاق العقلي والروحي والفوضى والحروب والكراهية وبحور الدماء التي سقت الأرض كلها بسبب هذا التغليف الديني للهيكل السياسي. كتاب يستحق القراءة ليس للباحثين في الشأن التأريخي والسياسي بل لعامة الناس لترى بعيونها وتفرزن بعقولها ما دفعه المواطن العادي من آلام ومعاناة وفقر وبؤس وحرمان وموت مجاني لأن كل سلطة سياسية كانت تستخدم التأويل الزائف لفقهائها في حرف النص الديني المقدس وتبديل مقاصدة الإنسانية النبيلة نحو المنافع الفئوية والحزبية والشخصية ليتحول الدين في النهاية الى سلعة تباع وتشترى حسب طلب السوق ومقاصد النوايا الخفية من عداء للدين نفسه من المندسين والحاقدين والمزيفين في إيمانهم من الشعوب التي أكرهت على ترك أديانها الأرضية وإعتناقه زمن الفتوحات الإسلامية وقد حملوا معاولهم لتخريبه من الداخل والإنتقام من نهجه القويم في إتمام مكارم الأخلاق لكن بأمراضهم تم نشر الظلم والرذيلة والجهل والخرافات وكلها بإسم الدين الحنيف والدين في كل ما عملوا براء..حقا أنه كتاب موسوعي راصد لكل التحولات السياسية والإختلالات التي حصلت للبلدان الإسلامية والتحولات الدينية التي رافقتها..كتاب لا غنى عنه في المكتبة العربية ومرجع دسم بالمعرفة درس أحوال الأمة الإسلامية سياسيا ودينيا منذ أكثر من ألفي عام وحتى يومنا هذا..دراسة الماضي بمنهج عقلي طريق لبناء المستقبل..