في كتابه ( كارل ماركس/ تاريخ حياته و نضاله) يؤكد مؤلفه فرانز مهرنغ ( ترجمة خليل الهندي) على إن حياة و فلسفة ماركس تمثل احسن الدوافع في الإصرار على ديمومة البقاء دوما خارج نطاق الإهمال الذي يضفي على العالم غلالة من النكران ، مهرنغ يؤكد في كتابه الضخم على إن ماركس (1818-1883) في حياته ونضاله قدر له ان يعيش لما بعد رحيله بسبب ما كان لعصره من جسامة الأحداث الفكرية و الفلسفية و الاجتماعية و الثقافية التي عصفت بالعالم من تأثير و تأثر و كان ماركس حاضراً فيها جميعاً منذ نقده لهيغل حتى السنوات الأخيرة من حياته، كانت هيمنة ماركس و فلسفته الماركسية واضحة ، و الرهان على إستمراريتها إلى أمد بعيد هو ماعمد فيها لمناقشة و مراجعة و تحليل لأهم مفاصل الفكر الإنساني، لنجده قد تجاوز بشهرته الثقافة الرقمية بما استطاعت الفلسفة الماركسية في وعي حركة و جدلية المادة في التاريخ،لتتضح معالم تلك الفلسفة التي اهتمت بالاقتصاديات و التحولات الاجتماعية في المادية التاريخية ، و لم يكن ماركس قد توجه صوب الفلسفة إلا لكونها قادرة في الوصول نحو تحليل البنى الفوقية التي تفرزها البنى التحتية ، بمعنى إدراك ماركس قيمة الاقتصاد و السياسة و الوعي في حياة الناس، لهذا هو انتقد فلسفة هيغل بالذات لأنها ظلت مستغرقة في عالم المجردات المتعالية تاركة حياة الإنسان في خطر الصراع الطبقي و الاغتراب و استغلال ارباب العمل لفائض القيمة على حساب الشغيلة وغيرها ، مما جعل الماركسية و هي نزعة فلسفية مادية ان تتسرب نحو مشكلات العاملين في العالم ، بحيث لا نجد حقلا معرفيا و لا إشكالية اجتماعية إلا و ترى الماركسية تجد لها تخريجا، مما أدت أفكار الناس للاقتداء بفتوحاتها، وحاضراً شهد رواجاً كبيرا في التعاطي معها وذلك بتطبيقاتها النظرية الاقتصادية والسياسية بالاقتران مع السلطة كما في الاتحاد السوفياتي آنذاك (1917-1989) لهذا لم يتوان العالم الرقمي لما بعد الحداثة في إشاعتها في الكون الرقمي، و أن تحظى بنصيب الأسد للمتابعين لما تطرحه من اشكلة على أي واقع محدث، فكانت عقود القرن المنصرم مشبعة بالفكر الماركسي و الإيديولوجي، و ظلت الماركسية بكل اريحية في فواصل مجتمع المعلومات و الثقافات الالكترونية ، للمداخلات الفلسفية العميقة التي تقوم بتحليل مشكلات العالم من خلالها، أي أن الماركسية كانت طيعة في استيعابها من قبل مختلف طبقات و شرائح البشر ، فنجد وسائل الإعلام جميعها تتناقلها، و إذ انتشرت الماركسية عبر رؤية تحليلية تفسيرية لينينية اخذت بمعالم الإيديولوجيا فقد اشتدت الحركة الشيوعية باعتبارها نسقاً ثقافيا للماركسية ، مما حفز الثقافة الشيوعية التي عملت على رفع سقف رصيد اليسار ورفده بكتابات اغنت الثقافة الوطنية في العراق التي كانت سائدة آنذاك، وبرزت الصحافة الشيوعية منذ 91 عاماً وكانت ولازالت تعمل على اكتشاف العالم وما فتأت تحمل على عاتقها ثقل الوعي التاريخي الناجم عن إدراك ضرورة إرساء ثقافة جادة رصينة في عالم متغير، مخيف ، و هي تمارس أنجح الانتقادات للواقع المتردي و لنظام التفاهة الذي يكتنف العالم الرقمي عبر وسائل الإعلام الرقمية ، و تواكب المستجدات الثقافية المتنوعة بمزيد من التحليلات الفكرية و المعرفية، و تدفع بوعي الجمهور العراقي إلى متبنيات ثقافية تصب في صالح الوعي السياسي الجماهيري.