اخر الاخبار

بعد توقف دام أكثر من عامين، استؤنف امس السبت، تصدير النفط من حقول إقليم كردستان، عبر خط جيهان التركي، في خطوة يُنظر إليها على أنها إنجاز مهم لتعزيز الاقتصاد العراقي، غير أن الاتفاق الثلاثي ـ الذي جرى بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان والشركات الأجنبية العاملة في تلك الحقول ـ وبرغم ترحيب الأطراف به، يظل في نظر العديد من المحللين والمسؤولين حلاً مرحلياً، لا بد أن يعقبه تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، ليكون الضامن الحقيقي لاستدامة الحل ومنع تكرار الأزمات.

تفاصيل الاتفاق وآلية العمل

وأعلنت وزارة النفط امس السبت، استئناف تصدير النفط من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، وذلك تنفيذاً للاتفاق الثلاثي الموقع يوم 25 أيلول بين وزارة النفط العراقية، ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، والشركات العاملة في الحقول المنتجة.

وقال وزير النفط حيان عبد الغني في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن "الاتفاق مع إقليم كردستان جاء من أجل السيطرة على كل الواردات النفطية"، مؤكداً أن عمليات الضخ والتصدير ستشهد تصاعداً في الأيام المقبلة.

وأضاف الوزير أن الاتفاق ينص على تصدير 180 إلى 190 ألف برميل يومياً، مع تخصيص 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي داخل الإقليم، مع دفع 16 دولاراً عن كل برميل للشركات المنتجة، بموجب التعديل الأول على قانون الموازنة، ليصبح الاتفاق ملزماً لجميع الشركات الأجنبية الموقعة.

خطوة نحو تعزيز الاقتصاد

ويوم الخميس الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، التوصل لاتفاق نفطي وصفه بـ"التاريخي" مع إقليم كردستان.

وذكر السوداني في تدوينة على منصة "إكس"، أنه "توصلنا اليوم إلى اتفاق تاريخي تتسلّم بموجبه وزارة النفط الاتحادية النفط الخام المنتج من الحقول الواقعة في إقليم كردستان، وتقوم بتصديره عبر الأنبوب العراقي التركي".

واعتبر أن "ذلك يضمن التوزيع العادل للثروة، وتنويع منافذ التصدير، وتشجيع الاستثمار".

وختم تدوينته بالقول: "‏إنجاز انتظرناه 18 عاماً".

من جانبه، اعتبر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الاتفاق "إنجازاً كبيراً للشعب العراقي، ولا سيما شعب الإقليم"، مؤكداً أهمية الخطوة في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحقيق مصالح العراق كافة.

من جانبه، رأى مايلز كاكينز، المتحدث باسم رابطة صناعة النفط في كردستان "أبيكور"، أن استئناف التصدير سيعزز الاقتصاد العراقي ويحفز توسيع الاستثمارات في القطاع النفطي، متوقعاً وصول حجم التصدير إلى 230 ألف برميل يومياً.

وقال إن هذا الترتيب مؤقت في ما يخص سعر البرميل، وأن الولايات المتحدة على اطلاع كامل على الاتفاقية الثلاثية، لافتاً إلى دورها في دعم زيادة إنتاج الطاقة عالمياً.

وأكد كاكينز أن إيقاف التصدير خلال العامين الماضيين أجبر الشركات على تجميد مليارات الدولارات من الاستثمارات، موضحاً أن استئناف العملية سيمكنها من استخدام تكنولوجيا إنتاج نظيفة وفعالة، وتوسيع حجم استثماراتها في القطاع.

اتفاق طويل الأمد

بدوره، أفاد علي نزار فائق، مدير عام شركة التسويق النفطية "سومو"، بأن الاتفاق الثلاثي أسس لاتفاقات طويلة الأمد، وشمل آلية محكمة لتسديد المستحقات المالية للشركات، بحيث يتم التعويض عن كل برميل 16 دولاراً وفق آلية الدفع العيني.

وقال فائق إن الاتفاقية ستخضع لدراسة من قبل شركة استشارية دولية لتحديد كلفة الإنتاج والنقل لكل حقل بدقة، وسيتم التعويض بأثر رجعي اعتباراً من تاريخ استلام الإنتاج.

فيما بيّن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن المرحلة الأولى من الاتفاق ستبدأ بتصدير 190 ألف برميل يومياً من أصل إنتاج يبلغ حالياً 240 ألف برميل، مع تخصيص الـ50 ألف المتبقية للاستهلاك المحلي، مؤكداً أن الاتفاقية مكتوبة ومسجلة ويقع تنفيذها تحت إشراف محكمة التحكيم الدولية في باريس، مع احتمال تحويلها إلى اتفاق دائم بعد دراسة شركة استشارية متخصصة.

كذلك أكد المتحدث السابق باسم وزارة النفط، والخبير النفطي عاصم جهاد، أن الاتفاق النفطي بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان "يمثل خطوة مهمة نحو إنهاء الخلافات المزمنة التي أربكت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والمجتمعية في البلاد".

وقال جهاد إن "الاتفاق يعالج القضايا العالقة المتعلقة بآليات تصدير النفط، والإيرادات المالية، وطبيعة العقود والتعاقدات، إضافة إلى إنهاء أزمة رواتب الإقليم عبر التزامات متبادلة نص عليها قانون الموازنة، حيث يلتزم الإقليم بتسليم كامل إنتاجه النفطي إلى وزارة النفط الاتحادية مقابل التزامات مالية من بغداد تجاه أربيل".

وبيّن أن الاستقرار في الإيرادات النفطية سيخدم الاقتصاد الوطني عمومًا، فيما سيكون الإقليم المستفيد الأكبر عبر وضوح الإيرادات وإمكانية استثمارها في المشاريع الخدمية، مبينا أن استئناف التصدير عبر ميناء جيهان التركي يمثل منفذًا استراتيجيًا حيويًا يأتي بعد الموانئ الجنوبية من حيث الأهمية.

واكد أن هذه الخطوة "تعزز الشفافية وتشجع الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم على الالتزام بالاتفاق بما يخدم الصالح العام".

لا بديل عن قانون النفط والغاز

من جهته، عدّ النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر شركة تسويق النفط الوطنية (سومو) إلى ميناء جيهان التركي، خطوة مهمة تصب في مصلحة الشعب العراقي عامةً، وشعب كردستان خاصةً.

وقال شنكالي إن هذا الاتفاق جاء بعد جهود كبيرة بذلتها حكومتا بغداد وأربيل لإعادة بناء الثقة ومعالجة خلافات استمرت لسنوات، مشددًا على ضرورة أن يتعزز هذا التفاهم بخطوات أخرى، وفي مقدمتها تشريع قانون النفط والغاز في الدورة النيابية المقبلة لضمان عدم تكرار الأزمات مستقبلاً.

وبيّن أن الاتفاق ستكون له آثار اقتصادية إيجابية كبيرة على الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، إذ بدأ التصدير بنحو 190 ألف برميل يوميًا مع إمكانية زيادتها لاحقًا، ما يعزز موازنة الدولة الاتحادية ويسهم في تمويل رواتب موظفي الإقليم وتسديد مستحقات الشركات النفطية.

وأشار شنكالي إلى أن هذه الخطوة ستسهم أيضًا في تبديد المخاوف من عدم التزام أي طرف بالاتفاقات السابقة، مؤكداً أن المضي بهذا النهج يمثل مكسبًا سياسيًا واقتصاديًا لجميع العراقيين.

فوائد الاتفاق

بدوره، اعتبر عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، أن التوصل إلى اتفاق بين بغداد وأربيل بشأن أزمة النفط في الإقليم يمثل حلاً مهماً، لكنه مؤقت ولا يمكن اعتباره حلاً جذرياً.

وقال كوجر أن الحل الحقيقي يكمن في تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، مشيراً إلى أن جميع الاتفاقات الأخرى تظل ترقيعية ومرحلية.

وبين أن الاتفاق الحالي يمكن أن يسهم في معالجة أربع مشاكل رئيسية، أبرزها تهريب النفط، وبيع الخام خارج الأطر الرسمية وحساباته، فضلاً عن إنهاء تعطيل القوانين والقرارات الاتحادية، وحل الإشكالية المتعلقة برواتب موظفي الإقليم.

وخلص الى القول إن تشريع قانون النفط والغاز يجب أن يتم بالتوافق بين الحكومتين الاتحادية والإقليمية، استناداً إلى المواد الدستورية المتعلقة بالصلاحيات المشتركة، والتي تشمل الحقول النفطية قبل وبعد صياغة الدستور، منبها الى وجود "لجنة مشتركة بين بغداد وأربيل تعمل حالياً على مناقشة القانون وصياغته بما يحقق التوازن والمصلحة الوطنية".