برغم توافر العراق على مقومات الإنتاج الأساسية من مواد أولية وطاقة وقوى عاملة، فإن البيروقراطية والفساد وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة، ساهمت في إضعاف الإنتاج المحلي وارتفاع الاعتماد على المستوردات الرخيصة.
إضعاف الناتج المحلي
يقول الخبير الاقتصادي حسنين تحسين، أن قياس معدلات النمو الحقيقية للدول يتم عبر ناتجها المحلي الإجمالي، ولا سيما ذلك الجزء الذي يعتمد على الإبداع البشري، مبينا أن الدول التي يقوم ناتجها المحلي على الابتكار والإبداع تحقق نموا رصينا، وتكتسب مكانة راسخة.
ويضيف تحسين في حديث لـ"طريق الشعب"، أن عناصر مثل المواد الأولية والطاقة واليد العاملة الماهرة والرؤية الواضحة تشكل قاعدة أساسية لنجاح أي عملية إنتاجية، موضحا أن "النجاح الأكبر يتحقق عبر الجودة، والقدرة على المنافسة، وإقناع السوق بتميز المنتج".
ويشير تحسين إلى أن العراق يمتلك جميع مقومات الإنتاج من مواد أولية وطاقة وقوى عاملة، إلا أن البيروقراطية وتعقيدات القوانين، إلى جانب الفساد وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة، أسهمت في إضعاف الناتج المحلي، منبها الى أن "المستورد الرخيص، حتى وإن كان أقل جودة، لكنه استحوذ على السوق وأضر بالمنتج المحلي".
ويؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي، أن معالجة هذه الإشكالات تتطلب إرادة حقيقية لإعادة الاعتبار للإنتاج الوطني، وتبني رؤية اقتصادية تعزز الجودة والمنافسة وتدعم مكانة العراق في الأسواق.
تصريحات كثيرة وإجراءات قليلة
أما المستشار في مجال الصناعة عامر الجواهري، فقد أشار إلى ضرورة النهوض بالقطاعين الصناعي والزراعي باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لتنشيط الاقتصاد الوطني، منتقدًا غياب الإجراءات الفعلية رغم كثرة التصريحات الرسمية.
وقال الجواهري في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "الجميع يتحدث عن أهمية تطوير القطاع الصناعي، من المواطنين إلى المسؤولين، لكن السؤال: من يقوم بالإجراءات؟"، مضيفا أن تنمية هذا القطاع تصطدم بعقبات كبيرة أبرزها البيروقراطية والفساد المنتشر في مختلف المفاصل.
وأضاف الجواهري، أن المستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة يواجهون عراقيل معقدة عند محاولتهم إنشاء معامل أو مشاريع إنتاجية، حيث تُثقلهم كثرة المطالب والوثائق الرسمية، الأمر الذي يجعل الكثير منهم يتراجع عن الاستثمار.
وأشار الجواهري إلى أن مجلس التنسيق الصناعي، الذي أقرّته الاستراتيجية الصناعية نهاية عام 2012 وصادق عليه مجلس الوزراء في حزيران 2014، لم يُفعل بالشكل المطلوب حتى اليوم، قائلاً "نحن اليوم في نهاية 2025 وما زال المجلس بالكاد يجتمع رغم أهميته".
ورحّب الجواهري بخطوة رئيس الوزراء الأخيرة بافتتاح عدد من مشاريع القطاع الخاص في بابل وإطلاق شعار "بابل عاصمة الصناعة العراقية"، لكنه شدد على أن ذلك غير كاف، موضحا "نريد أن نشهد افتتاح مصنع جديد في كل محافظة بشكل يومي، عندها فقط نستطيع القول إننا بدأنا بالفعل".
ولفت إلى أهمية دعم القطاع الحرفي والصناعات اليدوية، التي تشغل عشرات الآلاف وتمثل بُعدا تراثيا وسياحيا مهما، مقترحاً تنظيم معارض صناعية على مدار السنة في جميع المحافظات، تترافق مع جلسات حوارية يستمع خلالها مجلس التنسيق الصناعي وفروعه لمشاكل الصناعيين والحرفيين، مع إصدار قرارات ملزمة لتذليل العقبات.
وختم المستشار في مجال الصناعة بالقول: "علينا أن نترك الروتين والشعارات الفارغة، ونركز على ما يمكننا إنجازه اليوم. النجاح في المستقبل يعتمد على إدارتنا للملفات بأمانة وانتماء للعراق، عندها فقط نستطيع أن نبني صناعة وطنية قوية ونحقق التنمية الاقتصادية المطلوبة".
بضائع تصل الأسواق بطرق غير رسمية
من جهته، قال المراقب فياض الدليمي إن مسؤولية فحص ومراقبة البضائع المستوردة تقع على عاتق الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية فقط، مشددًا على أن أية بضائع تصل إلى الأسواق بطرق غير رسمية لا تقع ضمن صلاحيات الجهاز.
وأضاف الدليمي لـ"طريق الشعب"، ان "البضائع المستعملة التي تدخل العراق يجب أن تمر عبر الإجراءات الرسمية التابعة لوزارة التجارة والشركات المعنية؛ فالجهاز المركزي هو الجهة الوحيدة المخوّلة بالموافقة أو الرفض وفق المواصفات المعتمدة".
وتابع انه "إذا كانت البضائع تدخل عبر منافذ غير رسمية، فإن الجهاز المركزي لا يتحمل مسؤوليتها. في هذه الحالة، يتم التعامل مع الجهات الأخرى، مثل المنافذ الجمركية والشركات الفاحصة الدولية أو المحلية، للتأكد من مطابقة المنتجات للمواصفات".
وأشار إلى أن "عمل الجهاز المركزي لا يقتصر على الفحص وإعداد المواصفات فحسب، بل يشمل أيضا الرقابة للتأكد من مطابقة البضائع للمعايير المعتمدة، بالتعاون مع الأجهزة المختصة، من بينها مديرية مكافحة الجريمة المنظمة: "نعمل على كشف أية بضائع غير مطابقة للمواصفات أو دخولها بطرق غير قانونية".