اخر الاخبار

بينما يشهد العراق تراجعاً ملحوظاً في مؤشراته الديمقراطية وحرية الصحافة، يعود إلى الواجهة مشروع قانون "حرية التعبير" المثير للجدل، الذي ترى فيه أوساط أكاديمية وسياسية ومجتمعية، انه أداة جديدة لتقييد الحريات بدل صيانتها.

ويعكس الجدل الدائر حول القانون صراعاً محتدماً بين إرادة سياسية تسعى لتمريره، وأصوات برلمانية وشعبية تحذر من نتائجه الكارثية على مستقبل الديمقراطية في البلاد.

مشروع خطر!

حذّر عضو مجلس النواب، ياسر الحسيني، من خطورة مشروع قانون حرية التعبير بصيغته الحالية، معتبرًا أنه لا يمثل حماية لحرية التعبير، بل يشكل أداة لتقييدها بشكل أكبر. وقال: “القانون المطروح لا ينسجم مع روح الديمقراطية ولا مع الدستور العراقي الذي يكفل حرية الرأي، وقد أشرنا إلى هذه الملاحظات خلال مناقشته، لكن هناك إصرار على تمريره رغم اعتراضات واسعة”.

وأضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، “نخشى أن يُمرّر القانون باستخدام أسلوب (مطرقة التصويت)، ومن دون توفر نصاب حقيقي، كما جرى في بعض الصفقات السياسية السابقة. وهذا يمثل تجاوزاً خطيراً على الأطر الدستورية والقانونية، ويفتح الباب أمام تشريع قوانين أخرى بطريقة مماثلة تخدم مصالح الأحزاب المتنفذة على حساب حقوق المواطنين”.

وأشار إلى أن تمرير القانون بهذه الصيغة سيُستخدم كأداة سياسية لتكميم الأفواه وملاحقة الناشطين والصحفيين، مؤكدًا أن “القانون يتعارض مع التزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان، وسيُفقد البلاد ما تبقى من مصداقية أمام المجتمع الدولي الذي يراقب تراجع الحريات والديمقراطية في العراق”.

وأوضح الحسيني، أن “الأغلبية السياسية الحالية تنسجم مع مخرجات الكتل الكبرى، وهي المشكلة الحقيقية في إنتاج قوانين تقيّد الحريات وتخدم مصالح السلطة بدلًا من مصالح الشعب”.

وحذر بالقول من انه “إذا ما تم تمرير هذا القانون بالأسلوب الملتوي نفسه الذي مُرّرت به القوانين الثلاثة والسلة الواحدة، فسنلجأ إلى المحكمة الاتحادية وسنرفع دعاوى قضائية للطعن بإقراره. لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي محاولة لإعادة البلاد إلى مربع الديكتاتورية وتكميم الأفواه، وسنواصل التصدي لهذه التشريعات الخطيرة التي تهدد مستقبل الديمقراطية في العراق”.

مواد فضفاضة

من جهته، حذّر رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، من خطورة تمرير القانون الجديد بصيغته الحالية، مبينًا أن مواده ستكون قابلة للتأويل والاستخدام التعسفي من قبل السلطات العراقية.

وقال الشمري في حديث مع "طريق الشعب"، أن رفض العديد من النواب والسياسيين والفاعلين ومنظمات المجتمع المدني ونخب أصحاب الرأي لهذا القانون، يؤكد المخاوف من أنه قد يقيّد حرية التعبير.

 وأضاف أن تقريرًا صادرًا عن منظمة دولية حذّر من أن إقرار القانون سيؤدي إلى اهتزاز الديمقراطية في العراق، التي تشهد تراجعًا كبيرًا بالفعل.

وبيّن أن العراق، كونه نظامًا ديمقراطيًا موقّعًا على اتفاقيات دولية متعلقة بحقوق الإنسان وعضوًا في منظمات حقوقية دولية، سيواجه انتقادات واسعة إذا تم تمرير القانون، لأنه يتعارض مع المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية.

وحذر الشمري من أن إقرار القانون سيزيد من سوء صورة العراق، خصوصًا في ظل التقارير الدولية التي تشير إلى وجود انتهاكات بحق الصحفيين وملاحقات لأصحاب الرأي وتضييق على الحريات، وهو ما سيضعف مصداقية الديمقراطية في البلاد ويعكس عدم تقبّل الرأي الآخر.

كما توقّع أن يؤدي "إقرار القانون بصيغته الحالية إلى صدور بيانات إدانة وقرارات من منظمات ودول عدة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على العلاقات الثنائية بين العراق وهذه الأطراف، وقد يسهم في تراجع التعاون الدولي معه على المستويات السياسية والحقوقية".

تشريعات قمعية

الى ذلك، انتقد الكاتب والأكاديمي فارس حرام إصرار البرلمان على تمرير ما يُسمى بـ”قانون حرية التعبير”، مؤكداً أنه ليس مجرد توجه من رئيس البرلمان وحده، وانما هو توجه تدعمه القوى السياسية المتحكمة بالسلطة، والتي باتت تخشى الحريات أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات المطلبية وأي نقد جوهري لأدائها.

وأوضح حرام في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن القوى السياسية تلجأ إلى استخدام عناوين مضللة لتمرير تشريعات قمعية، مشيراً إلى تجربة سابقة مع ما سُمّي بـ”قانون حرية الحصول على المعلومة”، الذي كان في جوهره تقييدًا لحرية تداول المعلومات.

وشبّه هذا السلوك بما كان سائداً في الحقبة الدكتاتورية، معتبراً أنه اتجاه خطير يتزايد منذ احتجاجات تشرين 2019-2020، نتيجة ذعر السلطة غير المسبوق من الحريات.

وبيّن أن القوى السياسية تسعى إلى إحياء مواد قانونية قديمة مقيّدة للحريات، مثل بعض مواد قانون العقوبات رقم 69، والتي جرى تعطيلها بعد 2003، لكن أعيد تفعيلها لتجريم المحتجين، كما حدث في ما سُمي بـ”الحملة على المحتوى الهابط” التي استندت إلى مفاهيم فضفاضة مثل “سمعة الدولة” و”الآداب العامة” و”النظام العام”.

وتوقف حرام عند اللائحة المثيرة للجدل الصادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات بعنوان “لائحة تنظيم العمل الاعلامي الرقمي”، واصفاً إياها بأنها “مجزرة من المصطلحات العامة” مثل “الإساءة لرموز الدولة” و”سمعة الدولة”، وهي مصطلحات مبهمة تُستخدم تاريخياً من قبل الأنظمة القمعية لقمع الشعوب.

وأكد أن سلوك القوى السياسية في هذا المجال يتسم بـ”الغباء والتناقض”، لأنها لا تفكر بعواقب أفعالها، ولأنها تعتقد أنها ستبقى في السلطة دائماً.

وبيّن أن سلوك القوى السياسية في هذا المجال يتصف بالغباء والطيش السياسي، لأنه غير محسوب العواقب ويعتمد على ردود فعل انفعالية أشبه بسلوك “المراهق” الذي لا يدرك نتائج قراراته.

ونبه الى أن سنّ القوانين القمعية يؤدي إلى تأجيج الشارع وتفجير الأوضاع مجدداً، كما حدث عندما أصدرت حكومة عادل عبد المهدي قرار حظر التجوال في بداية احتجاجات تشرين، لكن الناس تحدت القرار وخرجت متحدية للسلطة.

وختم حرام حديثه بالقول بأن هذه الدورة النيابية تُعدّ من أسوأ الدورات البرلمانية، إذ اجتمع فيها سوء أداء السلطة مع تخاذل وفشل النواب المستقلين وممثلي الاحتجاجات الذين أصبحوا، على حد وصفه، “أكبر إساءة ممكنة للفعل الاحتجاجي وللمستقلين”، ما جعلها دورة برلمانية كارثية بكل المقاييس.