شهد العراق خلال السنوات العشر الأخيرة بروز العديد من المبادرات التطوعية لمواجهة المخاطر الناجمة عن الجفاف والتصحر والتغيرات المناخية. وتبرز مبادرة "الجيش الأخضر" كواحدة من أبرز الجهود التطوعية التي انطلقت خلال العقد الأخير للحد من تلك المخاطر.
ولا تقتصر المبادرة على حملات غرس الأشجار، بل تمتد نحو مختلف الأنشطة الرامية إلى زيادة المساحات الخضراء ونشر الوعي البيئي، ما جعلها نموذجاً ملهِماً للعديد من المبادرات الأخرى. وفي وقت لا يزال فيه اقتصاد العراق يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط، يرفع "الجيش الأخضر" شعاراً بسيطاً وعميقاً في آن واحد، مفاده: ان الأرض هي الثروة الحقيقية، وأن الزراعة تمثل المستقبل.
الحملة الثالثة عشرة
في حديث صحفي، يقول مؤسس "فريق الجيش الأخضر"، حيدر عبد الكاظم، أن مبادرتهم التي انطلقت عام 2019 جاءت بدافع تطوعي خالص من ناشطين بيئيين وزراعيين من مختلف أنحاء البلاد، اجتمعوا حول فكرة بسيطة تقوم على توزيع البذور مجاناً في حملات موسمية، ربيعية وخريفية، بهدف تشجيع الناس على الزراعة والمساهمة في مواجهة التصحر.
ويضيف قائلا: "بدأنا بحملات صغيرة، لكننا مع مرور السنوات وصلنا اليوم إلى تنظيم الحملة الثالثة عشر، المقرر انطلاقها في تشرين الأول المقبل، مبينا أن "الحملات تشمل توزيع البذور وتوفير الأسمدة مجاناً. ونحن نعمل على جمع البذور من متبرعين داخل العراق وخارجه. إذ يوفرونها من حدائقهم الشخصية أو يشترونها على حسابهم. وخلال حملتنا الأخيرة وزعنا 85 صنفا من البذور".
جيش لا يحمل السلاح!
ينوّه عبد الكاظم إلى أن الفريق الذي يتخذ من منزله مقراً، يعمل تحت شعار: "جيش لا يحمل السلاح، بل يحمل بذور الحياة". ويبيّن أن متطوعي الفريق نجحوا في تشجير العديد من المناطق والمؤسسات الحكومية.
ويلفت إلى ان "للجيش الأخضر منسقين في مختلف المحافظات يتولّون توزيع البذور مجاناً، ويعملون على نشر ثقافة الزراعة المنزلية، ويجعلون في صدارة أولوياتهم استدامة الموارد الطبيعية وإعادة تشجير المناطق المتضررة بيئياً".
ويشير عبد الكاظم إلى أن "الفريق يحرص على التوعية باستخدام تقنيات زراعية حديثة مثل الري بالتنقيط، واستصلاح الأراضي وفقا لطرائق عالمية، إضافة إلى الدعوة لاستثمار البادية زراعيا مع زراعة النباتات ذات البصمة المائية القليلة"، مشيرا إلى ان "الفريق يحرص أيضاً على تثقيف الناس بأهمية استخدام الطاقة الشمسية واستثمار مياه الآبار بشكل رشيد".
ويوضح أنه "منذ البداية شدّدنا على أن اعتماد العراق على النفط وحده يُعد كارثةً حقيقيةً. لذلك وجّهنا رسائل ومناشدات إلى جهات حكومية رفيعة لتبنّي الزراعة كأحد مصادر الدخل الأساسية، والعمل على إنشاء مصانع للصناعات الغذائية المشتقة من الإنتاج الزراعي المحلي، إلى جانب الاستثمار في الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الزراعية".
ويشهد العراق ظروفاً بيئيةً تُعد من بين الأسوأ في تاريخه، جراء الجفاف وندرة الأمطار، وتراجع موارده المائية، بل وقطع بعضها من دول المنبع كتركيا وإيران، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التصحر. ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الموارد المائية في آب الماضي، فإن عام 2025 يُعد الأكثر جفافاً منذ عام 1933. إذ لم تتجاوز إيرادات نهري دجلة والفرات 27 في المائة مقارنة بعام 2024، فيما انخفض مخزون المياه في السدود والخزانات إلى 8 في المائة من قدرتها التخزينية، أي بنسبة تراجع بلغت 57 في المائة عن العام الماضي.
رئة جديدة لبلد يختنق
من جانبه، يقول الناشط البيئي علي حسين، وهو متابع لملف التصحر في العراق، أن مبادرات مثل "الجيش الأخضر" تمثل "رئةً جديدةً لبلد يختنق بالغبار والجفاف".
ويوضح في حديث صحفي، أن "الفريق لم يكتفِ بغرس الأشجار وتوزيع البذور، بل عمل على إعادة إحياء فكرة الزراعة المنزلية وتشجيع الناس على التمسك بأرضهم، في وقت باتت فيه المدن مفتقرة إلى المساحات الخضراء بشكل مقلق".
ويؤكد حسين أن "أهمية ما يقوم به هذا الفريق لا تكمن في عدد الأشجار التي غُرست فحسب، بل في الرسالة التي يوجّهها إلى الناس. فهو يذكّر الجميع بوجود بديل عن التصحر واليأس، وأن الزراعة يمكن أن تكون مشروع حياة واقتصاداً مستداماً، وهي مسؤولية يتحملها المواطن إلى جانب المؤسسات الحكومية".
أخطر مرحلة
إلى ذلك، يقول المهندس الزراعي فاضل عباس أن "العراق يواجه أخطر مراحله البيئية، نتيجة تراجع موارده المائية وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما أدى إلى تفاقم التصحر وزيادة العواصف الترابية وتراجع الرقعة الزراعية عاماً بعد عام".
ويضيف في حديث صحفي قوله أن "استمرار هذه الظروف سيؤدي إلى فقدان التربة خصوبتها وتراجع الإنتاج الزراعي بشكل حاد، الأمر الذي ينعكس على الأمن الغذائي والمعيشي للسكان".
ويشير عباس إلى أن "التشجير لا يُمثّل مجرد حل جمالي أو رفاهي، بل يشكّل ركيزةً أساسيةً لحماية البيئة"، مبيناً أن "الجيش الأخضر، من خلال مشروعه، يعيد للناس الثقة بقدرة المبادرات الشعبية على إحداث فرق حقيقي".
ويؤكد أن "أهمية التشجير والزراعة تتجاوز الإنسان لتشمل جميع الكائنات الحية. فعندما نعود بالذاكرة إلى أكثر من عقدين، نجد أن المساحات الخضراء التي كانت تميز مدننا وأريافنا مثّلت مراعي طبيعية دعمت تربية الماشية وإقامة مشاريع المناحل، غير أن كل ذلك تراجع اليوم بشكل كبير جراء الجفاف".
وكانت وزارة الزراعة قد أفادت في آب الماضي، بأن العراق دخل مرحلة ندرة المياه، بعد سنوات من المعاناة جراء الشح المائي. وحذّرت في بيان صحفي من أن هذا التحول الخطير سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي.