اخر الاخبار

بعد سنوات من المعاناة بسبب نقص الخدمات الصحية ودمار المستشفيات، تقترب محافظة نينوى من إعادة بناء البنية التحتية الطبية، وسط آمال وحذر الأهالي. فبينما يشهد القطاع الصحي خطوات متقدمة نحو إنشاء مستشفيات جديدة وتجهيز مركز الأورام في الموصل، لا تزال المخاوف قائمة بشأن البطء في التنفيذ واعتماد المشاريع على المنظمات الدولية، بدلًا من الموارد المحلية، ما يطرح علامات استفهام حول جدية الحكومة في النهوض بالقطاع الصحي وضمان وصول الخدمات لجميع المواطنين.

مستشفى جديد!

بعد سنوات من العمل في موقع بديل يفتقر إلى معظم الأجهزة الطبية، يقترب مستشفى الأورام في الموصل من استعادة دوره كمركز متخصص لعلاج مرضى السرطان في نينوى.

يقول مدير المستشفى، د. عبد القادر سالم، إن المستشفى القديم الذي كان يضم أقسام الأورام والطب النووي، دُمر بالكامل أثناء عمليات تحرير المدينة، ما أجبر الكوادر الطبية على نقل الخدمات إلى موقع مؤقت.

ويضيف سالم ان "الموقع البديل كان يفتقر إلى الأجهزة، ولم نتمكن فيه سوى من تقديم العلاج الكيماوي وبعض الفحوصات التشخيصية، بينما بقي قسم العلاج الشعاعي والطب النووي معطلاً بالكامل".

ويتابع حديثه لـ"طريق الشعب"، بالقول أن "الواقع بدأ يتغير بعد تدخل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي أشرف على بناء المستشفى في موقعه السابق. واستغرق المشروع نحو سبع سنوات حتى اكتمل مؤخرا، ليقدم إلى دائرة الصحة في نينوى بطاقة استيعابية تبلغ 100 سرير، تشمل جميع الأقسام والوحدات التشخيصية والعلاجية اللازمة لمرضى السرطان".

ويؤكد سالم "استلمنا البناية الجديدة وهي الآن في طور التجهيز. الأجهزة، ومنها المعجلات الخطية والمعدات التشخيصية، ستصل تباعا. من المتوقع أن يكتمل الإعداد خلال شهر إلى شهرين، لننتقل بعدها من الموقع المؤقت إلى المستشفى الجديد".

ويؤكد المدير أن المستشفى الجديد سيكون واحدا من أكبر مراكز الأورام في العراق، بفضل شمولية أقسامه ووحداته، وقدرته على تلبية احتياجات المرضى في التشخيص والعلاج بمختلف أنواعه.

غياب الثقة!

وذكر الناشط من محافظة نينوى أحمد محمد، أن محافظة الموصل ما زالت تعاني من ضعف كبير في القطاع الصحي، رغم مرور سنوات على انتهاء الحرب وخروج المدينة من سيطرة داعش.

وقال محمد لـ"طريق الشعب"، إن المواطنين كانوا يتوقعون بعد التحرير أن تشهد المحافظة خطة حقيقية للنهوض بالخدمات الطبية، لكن الواقع لا يزال يشير إلى عكس ذلك، مبينا ان "هناك مستشفيات جديدة تُبنى داخل الموصل، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي لأنه يخفف جزءًا من المعاناة المتراكمة، لكن الملاحظ أن معظم هذه المشاريع تنفذها منظمات دولية، وليست ثمرة جهد أو تمويل من الحكومة المحلية أو حتى المركزية. وهذا يطرح سؤالًا مهمًا: أين التخصيصات المالية للمحافظة؟ ولماذا لا يُعطى القطاع الصحي الأولوية التي يستحقها؟".

وأضاف محمد أن اعتماد المدينة بشكل شبه كامل على الدعم الخارجي، يضعف ثقة المواطنين بقدرة مؤسسات الدولة على القيام بدورها الأساسي، مبينا انه "لا يمكن أن تبقى صحة الناس مرتبطة بجهود منظمات تأتي وتغادر. فيما تبقى مؤسساتنا عاجزة عن التخطيط أو التنفيذ. نحن بحاجة إلى مشروع وطني حقيقي، يعيد بناء القطاع الصحي على أسس رصينة".

واختتم بالقول ان "الموصل خرجت من مرحلة عصيبة جداً لكننا للأسف ما زلنا نعيش الوضع نفسه من ناحية الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الصحة". ولفت الي ان ما يطالب به الأهالي اليوم هو "التزام فعلي من الحكومة المحلية والمركزية بوضع الصحة في مقدمة الأولويات، وتوظيف الموارد المالية للمحافظة، بما يضمن استقرارًا دائمًا وليس حلولا مؤقتة".

بطء كبير في عملية التنفيذ

من جانبه، قال الناشط السياسي الموصلي أحمد عبد الله، إن القطاع الصحي في المحافظة، لا يزال يعاني من اختناقات كبيرة، رغم مرور سنوات على انتهاء الحرب وإعادة الإعمار.

وأضاف ان "المشاريع الصحية الموجودة على الورق ليست كافية، فالأهالي ما زالوا يضطرون للسفر لمسافات طويلة إلى الموصل أو دهوك، لتلقي العلاج أو إجراء العمليات الجراحية، حتى حالات الولادة. هذا الوضع يعكس الإهمال والبطء في تنفيذ المشاريع الصحية".

وأشار إلى أن بعض المشاريع الصحية المخطط تنفيذها، مثل بناء المستشفيات الجديدة في مناطق مثل زمار وسنجار، لا تزال تواجه تأخيرات رغم وضع الحجر الأساس أو الحصول على الموافقات.

وتابع "نحن نطالب أن لا تبقى هذه المشاريع مجرد شعارات أو حجرا أساسا، بل أن تتحول إلى مستشفيات فعلية مجهزة بالأجهزة والكادر الطبي والأدوية الضرورية"، مؤكدا أن البطء في تنفيذ المشاريع الصحية مرتبط بالبيروقراطية، ونقص الرؤية السياسية، وتداخل الصراعات الإدارية.

وخلص الى القول ان "الملف الصحي أصبح ضحية للمصالح السياسية، وهذا ما يزيد من معاناة المواطنين يوميًا. المطلوب إرادة حقيقية وسرعة في الإنجاز لضمان وصول الخدمات الصحية للجميع".