أثار تشريع مدونة الأحوال الشخصية جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية والمجتمعية، وسط اتهامات بأنها تخالف مواد دستورية أساسية وتنتقص من حقوق المرأة والطفل. وعلى الرغم من أن المحكمة الاتحادية العليا قد ردّت الدعاوى المقدَّمة ضد هذه المدونة بسبب عدم دستوريتها، فإن أصواتًا قانونية وأكاديمية ونسوية ترى في هذه المدونة خطرًا على وحدة المجتمع والدولة المدنية، فيما وجَّه جمعٌ من أهالي بغداد رسالة إلى المرجعية الدينية العليا يناشدونها فيها التدخّل لمنع التبعات السلبية لهذا التشريع.
{حُرمتُ من أمومتي وانتزعوا أطفالي}
تقول أمٌّ في الثلاثين من عمرها، خسرت حضانة طفليها بعد تطبيق المدونة: "لم أكن أتخيّل أن يأتي يوم يُنتزع فيه أطفالي مني وهم في أمسّ الحاجة إلى حضانتي. كنت أظن أن القانون يحمي الأم والطفل، لكن المدونة حرمتني من أمومتي، وجعلتني زائرة في حياة أبنائي."
المدونة تخالف نصوص الدستور
ويؤكد القاضي هادي عزيز لـ"طريق الشعب" أن مدونة الأحوال الشخصية تضمّنت عدة مخالفات دستورية واضحة، من أبرزها:
• الإرث: نصّت المدونة على أن المرأة لا ترث من الأراضي، في مخالفة للمادة 14 من الدستور التي تؤكد المساواة بين العراقيين أمام القانون.
• الحضانة: اعتبرت المدونة أن من حق الرجل انتزاع الطفل من أمه عند بلوغه سبع سنوات، وهو ما يتعارض مع الفقرة (2) من المادة (29) من الدستور التي تكفل حماية الأمومة والطفولة.
• استقلال القضاء: بحسب المادة (88) من الدستور، القضاة مستقلون ولا سلطة عليهم سوى القانون، بينما أعطت المدونة لرجل الدين سلطة إصدار القرار، وهو ما يُعد انتهاكًا لاستقلال القضاء.
وبيّن القاضي عزيز أن "هذه الانتهاكات لا يمكن معالجتها إلا بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، التي تُعد قراراتها باتة وغير قابلة للطعن".
{نحترم قرارات القضاء رغم اعتراضنا}
بدوره، أوضح المحامي محمد جمعة أن المحكمة الاتحادية العليا ردّت مؤخرًا الدعوى المقدَّمة من عدد من الشخصيات الوطنية للطعن بدستورية المدونة، معتبرة أن التعديلات لم تخالف الدستور وتم التصويت عليها بشكل قانوني . وأضاف جمعة خلال حديثه لـ"طريق الشعب" "رأينا، مع العديد من الشخصيات الوطنية، أن المدونة تخالف الدستور، لكننا كقانونيين نحترم قرارات القضاء رغم عدم قناعتنا. نحن نطمح إلى دولة مدنية تحترم حقوق المواطن والقرار القضائي، ونؤكد استمرارنا في استخدام الوسائل القانونية للحد من أضرار هذا التعديل على الأسرة والمجتمع والمرأة والطفل."
خسارة المرأة لمكتسباتها
من جهتها، انتقدت الأكاديمية والناشطة النسوية بشرى العبيدي المدونة، بقولها: "يؤسفني القول إنه لا مخرج اليوم من مواجهة مدونة الأحوال الجعفرية التي أضرت أولًا بمصلحة المجتمع، وكانت المرأة أكبر الخاسرين فيها." وأشارت إلى أن رد المحكمة الاتحادية جعل التعديل واقعًا بعد نشره في الجريدة الرسمية، مؤكدة أن الأمل الوحيد بات معقودًا على مجلس النواب القادم. وأضافت العبيدي: "المرأة النائب أمام تحدٍّ كبير للحفاظ على مكتسباتها، لكننا نواجه مشكلة في غياب الثقة بتمثيلها داخل البرلمان، حيث استُغلّت الكوتا النسوية من قبل الكتل السياسية، وجُعلت المرأة مجرد رقم يُقيد بقرارات لا تؤمن بها، كما حدث مؤخرًا مع التصويت على المدونة."
رسالة إلى المرجعية الدينية
وفي موقف لافت، وجّه مؤخرًا جمعٌ من مواطني ومثقفي وأكاديميِّي ووجهاء بغداد، رسالة إلى المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في النجف، السيد علي السيستاني، دعوه فيها إلى التدخل لمنع التداعيات السلبية للمدونة على وحدة الدولة والمجتمع. وأكدت الرسالة أن قانون الأحوال الشخصية الموحد لعام 1959 شكّل صمّام أمان اجتماعي ووطني، وأن أي بديل طائفي أو مذهبي سيهدد السلم الأهلي ويضعف سلطة الدولة. وختم الأهالي رسالتهم بالتأكيد على ضرورة أن تكون كلمة المرجعية موجهة نحو وحدة الصف وحماية العراق من التشرذم، داعين إلى تطوير القانون الوطني الموحد بما ينسجم مع القيم الدينية والإنسانية ويحفظ حقوق جميع العراقيين.