اخر الاخبار

نظرا لترهل القطاع الصناعي وانحسار المنتجات المحلية، تتصدر البضائع المستوردة واجهات الأسواق في بغداد والمحافظات، ما يجعل المستهلك يواجه صعوبة في الحصول على منتج محلي، وإن حصل عليه سيجده خاضعا لمنافسة شرسة من شبيهه المستورد، الذي غالبا ما يكون رديئا أو حتى منتهي الصلاحية.

وكثيرا ما يشكو مواطنون من ان معظم البضاعة المستوردة المنتشرة في الأسواق، رديئة ولا تصمد حتى فترات قليلة، لا سيما بالنسبة للمواد الإنشائية والأجهزة الكهربائية والملابس، الأمر الذي يعكس عدم دقة فحص البضائع من قبل الدولة، قبل طرحها في الأسواق.

في المقابل، تؤكد وزارة التجارة أنها الجهة المسؤولة عن متابعة الاستيراد ومنح التراخيص ووضع ضوابط دخول البضائع إلى السوق المحلية بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية التابع لوزارة التخطيط. لكن الجانبين يشيران أيضا إلى أن هناك تحديات يواجهانها، أبرزها تهريب البضائع الرديئة عبر منافذ غير رسمية.

جدير بالذكر، أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني اعلن الاثنين الماضي وهو يفتتح مصنع الأمبولات والأغطية البلاستيكية في بابل، أحد مشاريع القطاع الخاص، أعلن المحافظة (بابل) عاصمة العراق الصناعية. وذكر في كلمة بالمناسبة انه "بعد 2003 انتقلنا إلى اقتصاد مفتوح بما يسمى اقتصاد السوق، لكنه نوع هجين، وضاع شكل وفلسفة الاقتصاد العراقي بين انفتاح إلى حد الإغراق في السوق العراقية، وبعضه إغراق متعمد من قبل بعض الدول لإجهاض أي صناعة وطنية". 

غياب الرقابة الحقيقية عن المنافذ

في حديث صحفي، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج أن "الاقتصاد العراقي يعاني غزو سلع رديئة تدخل عبر المنافذ الحدودية دون أن تخضع للتقييس والسيطرة النوعية"، مبينا أن "العراق يستورد سنويا بضائع بملايين الدولارات من دول الجوار، لكن غياب الرقابة الحقيقية على المنافذ الحدودية، فتح الباب واسعا أمام البضائع الرديئة التي أضرت بالمستهلك وأضعفت الصناعة الوطنية".

ويشير إلى ان "قرار وزارة التخطيط الأخير بمنع استيراد المواد المنزلية غير المطابقة للمواصفات العراقية يُعد خطوة إيجابية، لكن التحدي الأكبر يبقى في السيطرة على المنافذ ومكافحة التهريب"، مؤكدا أن "غياب الرقابة هو السبب الرئيس لإغراق الأسواق بالبضائع غير المطابقة للمواصفات المطلوبة".

وينوّه الفرج إلى ان "هناك أهمية وضرورة ملحة لتفعيل المصانع العراقية من أجل تقليل اعتماد اقتصاد البلاد على النفط، إضافة إلى تفعيل قطاعات الزراعة والسياحة من أجل تفادي الأزمات الاقتصادية العالمية".

البحث عن البضائع الرخيصة

من جانبه، يقول التاجر رضوان السعيدي أن بعض البضائع الأجنبية مرتفع الأثمان ويتأخر تصريفه في السوق، لكن المواد الرديئة الرخيصة تنفد سريعا، لافتا إلى ان "المستهلك لم يعد يبحث عن الرصانة في المواد، لأنه يعرف سلفا ارتفاع أسعارها".

ويضيف قوله: "نحن نلبي الحاجة بجلب مواد يستطيع كثيرون شراءها. حيث نقوم باستيراد بضائع مختلفة من الصين لأنها أرخص ثمنا مما في الدول الأخرى"، منوّها إلى ان "البضائع المتميزة ذات العلامات التجارية العالمية، تكون محدودة الأرباح، بسبب ارتفاع أسعارها. فالربح الذي يجنيه التاجر منها لا يوازي الجهد وتكاليف النقل، بينما تحقق البضائع منخفضة الكلفة أرباحا لا بأس بها للمستوردين".

الملابس تتهرأ سريعا!

في السياق، يؤكد كثيرون من المستهلكين رغبتهم في توفر بضائع ذات مواصفات عالمية ومناشئ معروفة. إذ تقول الطالبة الجامعية سارة الساعدي، أن "الملابس الرخيصة المستوردة من الصين مثلا، تتهرأ سريعا ويتغير لونها عند الغسيل".

وتضيف في حديث صحفي قولها أن "قطعة الثياب التي تحمل ماركة عالمية، تصمد فترة طويلة تضاهي فترة صمود 20 قطعة من الملابس الرديئة".

أما المواطن كريم هاشم الزركاني، فيؤكد أن "الكثير من الأجهزة الكهربائية التي تغزو الأسواق سيئة للغاية وتتعطل سريعا".

ويرى في حديث صحفي أن "المستوردين لا تعنيهم الرصانة والعمر الافتراضي للمواد قدر ما يعنيهم تصريف بضاعتهم وتحقيق الأرباح"، مشيرا إلى "غياب الرقابة عن كثير من البضائع والسلع، بما في ذلك المواد الغذائية".

وزارة التجارة: نشترط المواصفات القياسية

من جانبه، يوضح المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، ان وزارته تتابع عمليات استيراد البضائع وفحصها بالتعاون مع الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، فضلا عن وزارة الصحة التي تقوم بمتابعة استيراد الأغذية ومنح الشهادات الصحية لها.  ويضيف في حديث صحفي قائلا أن "آليات المراقبة والتنظيم تشمل تسجيل المستوردين. إذ تلزم اللوائح الجديدة المستوردين بتسجيلهم والحصول على هوية مستورد. ويتضمن التسجيل بيانات المستوردين القانونية والمالية"، مبينا أن "الوزارة تشترط المواصفات القياسية والمعايير الفنية الوطنية التي تلزم مستوردي الأغذية والأجهزة الكهربائية أو الملابس بمواصفات الجودة والسلامة، ووضع الملصقات وبلد المنشأ على المواد، وتاريخ الصلاحية بالنسبة للأغذية".

ويلفت إلى "إجراء عمليات تفتيش العينات والفحص المعملي في المنافذ الحدودية والمنافذ الكمركية، لعينات الأغذية والسلع التجارية للتأكد من مطابقتها المواصفات، ويتم ذلك من خلال التعاون بين هيئة الكمارك ووزارتي الصحة والتجارة"، مشيرا إلى أن "هناك آليات لمتابعة السوق المحلية بعد دخول البضائع، للتأكد من أنها مطابقة للمواصفات، وإذا تبين وجود غش أو منتجات رديئة يتم سحبها وتُمنع من التداول كما تتم معاقبة المخالفين".

لكن حنون يؤكد أن "هناك العديد من التحديات التي تواجه عمل الوزارة في هذا المجال، أبرزها ضعف الموارد المختبرية والكوادر الفنية لإجراء الفحص، إضافة إلى عمليات التهريب والدخول غير الرسمي للسلع الذي يجعل الرقابة أقل فعالية في بعض المنافذ، فضلا عن التباين في الالتزام والمراقبة بين المحافظات والمناطق النائية مقارنة بالمراكز".

 

مشكلة التهريب

إلى ذلك، يقول رئيس الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية فياض الدليمي، ان دائرته هي الجهة المسؤولة عن فحص وتقييم السلع التي ترد إلى البلاد عبر المنافذ الرسمية، من خلال شركات الفحص والتفتيش المرخصة والمخولة من قبل الدائرة.

ويبين في حديث صحفي أن "هذه الشركات تتولى إجراء الفحوصات الفنية ومطابقة المواصفات القياسية العراقية أو الدولية المعتمدة قبل دخول البضائع إلى السوق المحلية"، موضحا أن "جودة بعض السلع المتداولة، خاصة في قطاعات الملابس والأغذية والأجهزة الكهربائية، لا تزال متفاوتة".

وينبه إلى أن "التفاوت يُعزى في بعض الحالات إلى دخول بضائع عبر منافذ غير رسمية أو عمليات تهريب لا تمر بإجراءات السيطرة النوعية"، مشيرا إلى أن "التهريب يعكس ميول بعض التجار إلى استيراد منتجات منخفضة الجودة بهدف تقليل الكلفة ورفع الأرباح، خاصة في ظل انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين".

ويرجع مراقبون غياب المنافسة الجادة في الأسواق المحلية، إلى عدم تنوع مصادر استيراد البضائع. فيما يلفتون إلى ان الجهات الرسمية لم تقدم ضمانات لحماية المستهلك، في وقت لا يزال فيه بعض المنافذ الحدودية غير خاضع لسيطرة محكّمة، ما يساعد في رواج عمليات التهريب.

ويشدد المراقبون على أهمية ضبط المنافذ الحدودية، وتعزيز دور مختبرات فحص البضائع، مع تشديد العقوبات على المستوردين والموزعين الذين يروجون سلعا غير مطابقة للشروط.