اخر الاخبار

تشهد المدن العراقية أزمة متفاقمة في إدارة النفايات تعكس تراكم تحديات بيئية وصحية واجتماعية، تتجاوز كونها مجرد مشكلة تشغيلية تتعلق بجمع القمامة، انما تعد ملوثا خطرا للهواء والمياه والتربة، وحاضنا للحشرات والقوارض، الامر الذي يحتم على الجهات المعنية العمل على تطوير البنية التحتية ورفع القدرات التشغيلية لدوائر البلديات، إلى جانب حملات توعية مستمرة لتعزيز ثقافة النظافة والحفاظ على البيئة، لضمان مدينة أكثر صحة وجمالاً.

تحديات بيئية وثقافية واجتماعية

تقول الناشطة البيئية نجوان علي: إن أزمة النفايات في بغداد ليست مجرد مشكلة تشغيلية تتعلق برفع القمامة بل هي انعكاس لتراكم تحديات بيئية وثقافية واجتماعية.

ويضيف علي في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن انتشار النفايات في الشوارع والأسواق والمناطق السكنية يعود في جزء كبير منه إلى ضعف التوعية البيئية لدى بعض المواطنين، وعدم الالتزام بالقوانين والتعليمات المتعلقة بإدارة النفايات.

وتشير الى أن للنفايات أضرارا صحية وبيئية مباشرة، فهي تسهم في انتشار الأمراض وتشكل مرتعا للحشرات والقوارض، كما تعمل على تلويث المياه والتربة، وتؤثر سلباً على المنظر العام للمدينة، وتقلل من جودة الحياة.

وتواصل علي كلامها: أن الكثير من المشاريع الخدمية والترفيهية المتلكئة تحولت إلى مواقع لرمي النفايات، حتى في داخل المناطق الأثرية المهمة، مشيرة الى ان "التعامل مع أزمة النفايات يحتاج إلى نهج مزدوج يشمل تطوير البنية التحتية ورفع القدرات التشغيلية لكوادر الأمانة، إلى جانب تدشين حملات توعية مستمرة لتغيير سلوكيات المواطنين وتعزيز ثقافة فصل النفايات، وإعادة التدوير والحفاظ على البيئة.

وتختتم علي بالقول: إن المدينة ملك للجميع، وان الحفاظ على نظافتها مسؤولية مشتركة، فلا يمكن أن تُحل المشكلة من دون مشاركة المواطنين في إدارة نفاياتهم بطريقة صحيحة.

الامانة: عملنا مستمر على مدار الساعة

من جهته، أكد المتحدث باسم إعلام أمانة بغداد عدي الجنديل، أن "أعمال النظافة في العاصمة مستمرون في العمل على مدار 24 ساعة، من خلال أربع وجبات عمل، بمعدل ست ساعات لكل وجبة".

وقال الجنديل لـ"طريق الشعب"، أن الأمانة تمتلك أسطولاً كاملاً يضم كابسات وعمال بلدية متخصصين برفع النفايات، موضحاً أنه "في حال وجود نقص في الكابسات تتم الاستعانة بالقطاع الخاص عن طريق استئجار كابسات إضافية، مع التأكيد على أن رفع النفايات يتم مجاناً من دون استيفاء أي مبالغ من المواطنين".

وفي ما يخص الشكاوى التي يطرحها الأهالي، يبين الجنديل أن "الأمانة أطلقت تطبيقا لتلقي البلاغات المتعلقة بجباية مبالغ غير قانونية مقابل رفع النفايات، مستثنياً من ذلك المناطق الزراعية التي تقع خارج صلاحيات الأمانة.

وزاد الجنديل، أن الأمانة لا تقتصر جهودها على رفع النفايات فقط، بل تعمل بالتوازي على تطوير إدارة النفايات والبنى التحتية، موضحاً أن هناك مشروعاً استراتيجياً بالتعاون مع شركة صينية متخصصة، لتحويل نحو 3 آلاف طن من النفايات يومياً إلى طاقة كهربائية، بقدرة تصل إلى 100 ميغاواط، مشيراً إلى أن الشركة باشرت فعلياً تنفيذ المشروع.

مشكلة عابرة للمدن

أما الدكتور الاستشاري محمد الجبوري، خبير البيئة والمناخ، فقد أكد أن أزمة النفايات في العراق أصبحت من القضايا البيئية والصحية الأكثر إلحاحا، بعد أن تجاوزت آثارها حدود المدن إلى الريف وفاقمت من التلوث البصري والهوائي والمائي، في ظل عجز البنى التحتية عن التعامل معها، وتزايد الكثافة السكانية والأنشطة الصناعية والزراعية غير المنظمة.

وقال الجبوري، أن الحلول الحكومية لا تزال محدودة في مقابل تراجع الوعي المجتمعي وغياب الدور الفعال للقطاع الخاص في تقديم بدائل مستدامة لإدارة النفايات، مضيفا أن العراق ينتج أكثر من 11 مليون طن من النفايات الصلبة سنويا بينما يبلغ حجم النفايات اليومية في بغداد وحدها نحو 9 آلاف طن، وتجمع غالبية هذه النفايات بطرق بدائية وغالبا ما تُطمر في مكبات مفتوحة وغير نظامية.

واضاف في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن أكثر من 70 بالمئة من المحافظات لا تمتلك محطات فرز أو تدوير حديثة، إنما تزداد خطورة النفايات مع دمج المواد المعدنية والإلكترونية مع النفايات العامة، موضحا أن "تفاقم الأزمة يعود لضعف البنية التحتية للخدمات البلدية ونقص الآليات والكوادر المدربة، وتدهور مكبات الطمر الصحي، وعدم وجود استراتيجية وطنية لإدارة النفايات، بالإضافة إلى الانفلات العمراني والتوسع العشوائي وسلوكيات المواطنين وغياب الوعي البيئي وضعف تطبيق القوانين البيئية مثل قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009".

وعن الأضرار المباشرة، فقد بين الجبوري انه "تشمل تلوث المياه الجوفية وارتفاع نسبة غازات الدفيئة الناتجة عن تحلل المواد العضوية وتلوث الهواء والمساحات الخضراء. كما تؤدي النفايات إلى ارتفاع حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والجلدي وانتشار الحشرات والقوارض الناقلة للأمراض، وتهدد صحة العاملين في جمع النفايات. كما أنها تستنزف ميزانيات البلديات وتفقد المجتمع فرصا اقتصادية من عمليات التدوير غير المستغلة، وتؤدي إلى تراجع قيمة العقارات والمواقع السياحية".

وأشار إلى أن بعض المدن بدأت مبادرات ناجحة مثل كربلاء التي أطلقت مشروع النفايات النظيفة بالتعاون مع المجتمع المدني، ووفرت حاويات بثلاثة ألوان للفرز، ما ساهم في تقليل كمية النفايات المختلطة بنسبة ثلاثين بالمئة، ومدينة الموصل التي أنشأت مشروعا لتدوير البلاستيك وفر فرص عمل للشباب وساهمت في تقليل النفايات البلاستيكية في الساحل الأيسر، بنسبة 15 بالمئة.

ضرورة حملة وطنية للتوعية

وأكد الجبوري "أهمية إطلاق حملة وطنية للتوعية البيئية تشمل الإعلام والمدارس والجامعات وتطبيق نظام فرز النفايات من المصدر مع توفير حاويات مخصصة ودعم المشاريع الصغيرة لتدوير النفايات عبر منح حكومية أو قروض بيئية وتفعيل الغرامات والمساءلة ضد من يتسبب برمي النفايات عشوائيا وإشراك القطاع الخاص في بناء محطات فرز ومعالجة وفق نظام الاستثمار وإصدار قانون شامل لإدارة النفايات يتضمن آليات تنفيذ وعقوبات واضحة.

وخلص إلى أن أزمة النفايات في العراق "إدارية وبيئية وثقافية في آن واحد"، مؤكدا انها "تتطلب تحركا مشتركا من الدولة والمواطنين والمجتمع المدني؛ فالخطر لا يهدد جمال المدن فقط، بل يمتد ليهدد صحة الإنسان وموارد الطبيعة وكل يوم تأخير في المعالجة هو يوم إضافي نحو كارثة بيئية وشيكة"..