اخر الاخبار

تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى تسجيل أكثر من 6,900 حالة طلاق خلال شهر واحد، مع تسجيل فروق بين المحافظات الكبرى والولايات الأخرى، حيث يربط خبراء القانون وباحثون اجتماعيون هذه الظاهرة بالضغوط الاقتصادية، وأزمة السكن، وضعف الثقافة القانونية، والزواج المبكر، والتدخل الأسري. فيما يشدد ناشطون على أهمية توفير الدعم الاقتصادي والاجتماعي للمرأة المطلقة، وإنشاء دور إيواء وبرامج تدريب مهني، لضمان استقرار الأسرة والمجتمع.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، أخيرا، الإحصائية الرسمية لعقود الزواج وحالات الطلاق المسجلة في محاكم البلاد (باستثناء إقليم كردستان) خلال شهر تموز، والتي أظهرت تزايداً في معدلات الزواج مقابل بقاء نسب الطلاق مرتفعة.

وبلغ إجمالي عقود الزواج 22,717 عقداً، مقابل 6,910 حالات طلاق خلال الشهر. ففي العاصمة بغداد، تصدرت محاكم الرصافة المشهد بتسجيلها 3,067 عقد زواج و1,299 حالة طلاق، تلتها محاكم الكرخ بـ2,321 عقد زواج و1,166 حالة طلاق، بينما شهدت محافظة نينوى تسجيل 3,589 حالة زواج مقابل 580 حالة طلاق.

أما في المحافظات الأخرى، فقد سجلت البصرة 2,073 حالة زواج مقابل 734 طلاقاً، فيما بلغت في النجف 751 زواجاً و258 طلاقاً، وسجلت كربلاء 656 زواجاً مقابل 341 طلاقاً. وفي ذي قار بلغ العدد 1,514 عقد زواج مقابل 217 حالة طلاق، بينما شهدت الأنبار تسجيل 1,906 حالات زواج و398 طلاقاً.

وتكشف هذه الأرقام أن العراق ما زال يواجه فجوة بين نسب الزواج والطلاق، إذ يقابل كل حالتي زواج تقريباً حالة طلاق واحدة، وهو ما يعكس تحديات اجتماعية واقتصادية تلقي بظلالها على استقرار الأسرة العراقية.

ارتفاع في نسب الطلاق

وشهد العراق خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في نسب الطلاق، وهو ما أرجعه القانوني مصطفى البياتي إلى مجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي باتت تهدد استقرار الحياة الزوجية.

وقال البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "الأسباب المباشرة تتعلق بالضغوط النفسية والاجتماعية اليومية"، مبينا أن ارتفاع درجات الحرارة والظروف المناخية القاسية تولد حالة من التوتر داخل الأسر، إلى جانب الاحتكاك المستمر بين الزوجين نتيجة بقائهما لفترات طويلة داخل المنزل دون انشغال كل منهما بعمل منتج، مما يزيد من فرص حدوث الصراعات.

وأضاف لـ "طريق الشعب"، أن الأوضاع الاقتصادية تعد من أبرز مسببات الطلاق، إذ أن ارتفاع تكاليف المعيشة وتذبذب أسعار الدولار في السوق العراقية، ينعكس سلبا على القدرة المادية للأسر، فضلا عن أزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات، ما يضطر العديد من العائلات للعيش معا في منازل ضيقة، تضم الجد والجدة والأبناء والأحفاد، وهو ما يولد خلافات حادة داخل الأسرة الواحدة.

كما أشار البياتي إلى أن سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أدى في بعض الحالات إلى مشاكل مرتبطة بالخيانة الزوجية، بالإضافة إلى التدخل الأسري من بعض العوائل في حياة الأزواج، وهو ما يفاقم المشكلات ويقود في كثير من الأحيان إلى الانفصال.

أما عن الأسباب غير المباشرة، فيوضح البياتي أنها تتعلق بضعف الثقافة القانونية لدى الزوجين، وعدم إدراك كل طرف لحقوقه وواجباته، إضافةً إلى تفشي البطالة التي تجعل الأسرة عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية. كما أشار إلى ضعف الدور الديني والأخلاقي في ضبط سلوكيات الأزواج، ما يفتح الباب أمام حالات العنف الأسري.

وأكد أن العادات والتقاليد السائدة في بعض المناطق، إلى جانب الزواج المبكر خاصةً خارج المحاكم، يمثلان تحديًا كبيرًا لاستقرار العلاقة الزوجية. وفي المقابل، لفت إلى وجود ارتفاع نسبي في وعي النساء بحقوقهن القانونية، ما أدى إلى زيادة طلبات الطلاق من جانب الزوجات في الفترة الأخيرة.

واختتم البياتي بالتأكيد على ضرورة تنظيم الزواج المبكر وتشريع قوانين واضحة للحد من هذه الظاهرة، إلى جانب تعزيز الوعي القانوني والثقافي والاجتماعي لضمان استقرار الأسرة العراقية.

ضرورة توفير فرص عمل للمرأة

من جهتها، حددت الناشطة المدنية والسياسية سارة كريم، عدة خطوات للحد من ارتفاع نسب الطلاق، ولضمان حماية المرأة المطلقة بعد الانفصال، مبينة أن توفير فرص العمل يعد من أهم هذه الخطوات.

وقالت كريم لـ"طريق الشعب"، أن الوضع الاقتصادي المتردي في العديد من المناطق البسيطة والمكتظة بالسكان يزيد من معدلات البطالة، ويشكل سبباً رئيسياً للانفصال، لذا فإن توفير فرص عمل للمرأة المطلقة يسهم بشكل كبير في تحسين وضعها الاقتصادي وتقليل ضغوط الحياة بعد الطلاق.

واكدت أهمية وجود دور إيواء للنساء المطلقات، مشيرة إلى أن العديد من العائلات لا تكون مستعدة لاستقبال بناتهن بعد الانفصال، ما يجعل توفير دور الإيواء ضرورة أساسية وقانونية وشرعية. وأوضحت أن العراق يعاني من شحة كبيرة في هذا المجال، وهو ما يجعل المرأة المطلقة تواجه العديد من التحديات بعد الانفصال.

وأضافت، أن وجود دور إيواء متعددة وكافية يقلل من المخاطر التي تتعرض لها المرأة، ويحميها من ضغوط الكفالة الاقتصادية والاجتماعية. كما اشارت الى ان توفير برامج التدريب المهني يشكل العنصر الثالث المهم لدعم المرأة المطلقة.

واعتبرت كريم أن الاعتماد على راتب رعاية تقدمه الدولة ليس الحل الأمثل، بل الأفضل هو تمكين المرأة من اكتساب مهارات جديدة تؤهلها لكسب استقلالها المالي بنفسها، مشددة على ضرورة فتح دورات تدريب مهني على الخياطة، الطبخ، والحرف اليدوية. ويمكن أن تتبنى هذه المبادرات كل من الدولة والقطاع الخاص على حد سواء.

وأوضحت أن الهدف من هذا التدريب هو تمكين المرأة من الاعتماد على نفسها، وتحويل مهارتها إلى مصدر دخل مستدام، وفقاً لمبدأ "علمني كيف أصطاد بدلاً من أن تعطيني السمكة".

وختمت كريم بالإشارة إلى أن توفير فرص العمل، ودور الإيواء، وبرامج التدريب المهني للنساء بعد الانفصال سيكون له انعكاس إيجابي ملموس على معدلات الطلاق. وفي الوقت نفسه يحسن من وضع المرأة المطلقة ويمنحها القدرة على مواجهة تحديات الحياة بعد الانفصال بشكل مستقل وآمن.

ووفقاً لتقرير سابق للأمم المتحدة صدر عام 2022، فإن ما يزيد على رُبع النساء العراقيات المتزوجات تزوجن دون سن الثامنة عشرة، أي ما يعادل امرأة واحدة من بين كل أربع نساء.

غياب التشريعات الفاعلة

أما الناشطة الحقوقية مرح اياد، فقد حذرت من أن ارتفاع معدلات الطلاق يهدد استقرار المجتمع، ويترك آثارا قاسية على النساء بشكل خاص.

وقالت اياد لـ"طريق الشعب"، أن "المرأة في معظم حالات الطلاق تتحمل العبء الأكبر من الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ تجد نفسها بين ضغوط إعالة الأطفال من جهة، ونظرة المجتمع القاسية من جهة أخرى، فضلًا عن ضعف الدعم الحكومي في تأمين السكن والعمل والمساعدات الاجتماعية".

وأضافت الناشطة، أن "أسباب الطلاق متعددة، أبرزها الضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، البطالة، أزمة السكن، بالإضافة إلى التدخل الأسري في حياة الأزواج، وسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف الوعي القانوني والثقافي لدى الزوجين".

وبينت أن "غياب التشريعات الفاعلة لمعالجة الزواج المبكر والزواج خارج المحكمة، ساهم في تفاقم الأزمة، إلى جانب ضعف الوعي الديني والأخلاقي الذي من المفترض أن يحمي الأسرة من الانهيار".

ودعت اياد الى اعتماد "إجراءات عاجلة من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، تتضمن برامج توعية للزوجين بحقوقهما وواجباتهما، ودعم اقتصادي للأسر الفقيرة، وتوفير مراكز استشارية أسرية قبل الطلاق وبعده، إضافة إلى وضع قوانين أكثر صرامة لتنظيم الزواج المبكر وضمان حقوق النساء بعد الانفصال".

وختمت بالقول ان "استقرار المرأة يعني استقرار المجتمع، وإذا لم تتم معالجة هذه الظاهرة بشكل جذري فسوف نجد أنفسنا أمام جيل يعاني من تفكك أسري ينعكس على أمن واستقرار البلاد".