أعلنت وزارة التخطيط اخيراً، عن نتائج مسح اقتصادي شامل شمل جميع المحافظات، والتي اظهرت تراجعاً في نسب الفقر والبطالة خلال العامين الماضيين، مؤكدة ان هذه المؤشرات تُسهم في رسم خريطة دقيقة لمستويات المعيشة وتوجيه السياسات الحكومية نحو المناطق الأكثر احتياجاً.
لكن عددا من الخبراء الاقتصاديين شككوا في دقة هذه الأرقام، معتبرين أن "غياب معايير واضحة لتحديد خط الفقر وتفاوت البيانات الرسمية، يضعف من جدوى المسوح الاحصائية". ونبهوا الى أن المعالجات الحكومية ما تزال محصورة ببرامج الحماية الاجتماعية، في وقت يواجه فيه سوق العمل تحديات متفاقمة مع تزايد أعداد الخريجين وضعف دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل.
الوزارة توضح
في هذا الصدد، أوضح المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أن المسح الاقتصادي الذي أُجرته وزارة التخطيط، شمل 18 محافظة في عموم العراق، بما فيها محافظات اقليم كردستان، وغطى كافة الأقضية البالغ عددها أكثر من 171 قضاءً، واستمر المسح لمدة عام كامل.
وقال الهنداوي لـ"طريق الشعب"، إن المسح شمل أكثر من 24 الف أسرة، بمعدل 5 زيارات خلال العام لمتابعة مستوياتها المعيشية، مشيراً الى أن النتائج أظهرت تراجعاً ملموساً في معدلات الفقر والبطالة في البلاد.
وبيّن أن "نسبة الفقر انخفضت من 23% عام 2022 الى 17.5% عام 2024، بينما تراجعت البطالة من 16% الى 13% خلال نفس الفترة".
وفي ما يخص المحافظات، أشار الهنداوي إلى أن أغلبها شهد انخفاضاً في معدلات الفقر، حيث انخفضت نسبة الفقر في محافظة المثنى من 52% الى 40%، وفي محافظات الجنوب (ميسان وذي قار والديوانية) من أكثر من 40% الى أقل من 20%.
وبحسب المتحدث فقد سجلت "محافظة نينوى انخفاضاً في الفقر من 38% الى أقل من 20%. أما باقي المحافظات، فكان معدل الانخفاض فيها طفيفاً الى متوسط"، لافتا الى أن البيانات التي أظهرها المسح "دقيقة وتعكس الواقع بشكل كبير وفق الآليات المعتمدة".
واشار الى أن "هذه النتائج ستساهم في رسم خريطة جديدة للفقر على مستوى المحافظات والأقضية".
وواصل القول، ان "الخريطة التي سترسمها النتائج، ستمكن الحكومة من توجيه سياسات الدعم ومكافحة الفقر نحو المناطق الأكثر احتياجاً، خصوصاً وان هناك خطة جديدة لمكافحة الفقر".
وزاد بالقول إن هذه المسوح "ستستمر بشكل دوري، حيث من المقرر إجراء مسح آخر العام المقبل لمتابعة كافة المتغيرات في الواقع العراقي، بهدف تعديل السياسات ورسم الخطط لمعالجة جذور وأسباب الفقر بشكل أكثر فعالية".
مسوحات بلا فائدة
من جهته، قال المختص في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي، ان "أول سؤال نطرحه: كيف يُحدَّد خط الفقر؟.. كل دولة لديها معايير لتحديد خط الفقر".
وأضاف الهماشي في حديث مع "طريق الشعب"، ان "احد المعايير في بعض الدول هو الدخل، فاذا كان دخل الفرد الشهري أقل من خمسين دولارًا يُعتبر تحت خط الفقر. وهناك دول تعتمد 100 دولار يومياً كمعيار وغيرها".
وتساءل بالقول "على أي معيار اعتمدت الوزارة لتحديد خط الفقر؟ ما هي مستويات دخل الفرد والعائلة؟"، مبينا ان هذه المعايير في البلاد مختلفة، وتجعل الأرقام متباينة؛ فهناك منظمات تقدّر نسبة الفقراء بحوالي 17% واكثر. بينما تعطي وزارة العمل رقماً مختلفاً، وكذلك وزارة التخطيط.
وعزا السبب في ذلك الى "غياب معايير واضحة، فلا يوجد قانون عمل منظم، ولا أنظمة إدارية ومحاسبية دقيقة في العراق، ولا سياسة اقتصادية واضحة. وبالتالي، كل مؤسسة أو وزارة تعتمد معياراً خاصاً بها".
من ناحية أخرى، اشار الى ان "الأرقام التي تصدرها وزارة التخطيط أو وزارة العمل أو بعض المنظمات بشأن نسب البطالة وخط الفقر لا تقدّم حلولاً حقيقية لمعالجة الفقر حتى الآن"، لافتا الى أن "الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 تعالج الفقر فقط عبر شبكة الحماية الاجتماعية، دون وجود برامج جادة لتطوير الموارد البشرية أو استراتيجيات، للحد من البطالة ومكافحة الفقر".
واكد في سياق حديثه ان "المشكلة هي ان سوق العمل لا يستوعب الأعداد الكبيرة من الخريجين؛ فكل سنة يدخل حوالي 400 الف شاب من الجامعات والمعاهد الى سوق العمل، بينما الدولة غير قادرة على استيعاب تلك الاعداد. في المقابل، لم يُفعَّل القطاع الخاص تفعيلًا حقيقياً حتى الآن، وما يزال خاملاً".
ورهن الهماشي حل مشكلة الفقر والبطالة في البلاد بـ"تفعيل القطاع الخاص بشكل حقيقي، وحماية رؤوس الأموال، اضافة لتطوير النظام المصرفي، علاوة على تنظيم عمل التجارة والاستيراد".
الريعية تحافظ على هشاشة الاقتصاد
الى ذلك، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي قصي الناهي أن “المسوح الاحصائية التي تعلنها الجهات الرسمية حول انخفاض نسب الفقر والبطالة لا تكفي وحدها لتقديم صورة دقيقة عن الواقع المعيشي في البلاد”، موضحاً أن “عدم تحديد معايير موحدة للفقر والدخل يخلق فجوة بين البيانات الحكومية وما يعيشه المواطن في حياته اليومية”.
وقال الناهي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن “الواقع الفعلي يشير إلى تعمق التحديات، فهناك مئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنوياً، من دون أن يجدوا فرصاً حقيقية، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل على العوائد النفطية، وهو ما يجعله هشاً أمام أي ازمات او تقلبات في أسعار السوق العالمية”.
وبيّن أن “المعالجات الحكومية تركز غالباً على الحلول المؤقتة مثل برامج الحماية الاجتماعية أو القروض الصغيرة والتعيينات غير المدروسة، كذلك التي تثقل كاهل الدولة".
ونوه الى انها "لم تضع حتى الآن سياسة اقتصادية شاملة قادرة على استيعاب قوة العمل أو خلق بيئة استثمارية حقيقية”، مشدداً على أن “القطاع الخاص ما زال يفتقر إلى الدعم والتشريعات التي تجعله شريكاً فعلياً في التنمية”.
واضاف بالقول إن “مكافحة الفقر والبطالة تتطلب رؤية اقتصادية بعيدة المدى تستند إلى تنويع مصادر الدخل، وتوسيع الاستثمار في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، إلى جانب تبني اصلاحات حقيقة وجادة".
وخلص الى القول ان" هذه الاصلاحات يجب ان تتركز في النظام المالي والمصرفي، لضمان جذب رؤوس الأموال وتوظيفها في مشاريع تنموية من شأنها ان توفر فرص عمل مستدامة، حينها يمكن الحديث بشكل واقعي عن مكافحة الفقر والبطالة".