اخر الاخبار

خلال السنوات الأخيرة ازدهرت على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، تجارة مستحضرات التجميل والتنحيف على نحو غير مسبوق، تحت عناوين عقاقير أجنبية كورية وصينية وأوربية مخصصة لتبييض البشرة، تعزيز الخصوبة، نحت الجسم، إطالة الشعر، تصغير الأنف، إزالة الشعر غير المرغوب فيه. أو تحت عناوين براقة مثل “وصفات سحرية”، أو “ما يفضله مشاهير هوليوود”، وغيرها من العناوين التي تغري النساء على وجه التحديد، رغم أن أغلبها مجهول المصدر، ويفتقر إلى الترخيص الطبي.

وفي ظل ضعف الرقابة الصحية، وانتشار الإعلانات المضللة، تتحول هذه الأدوية والمنتجات من حلم سريع بالجمال إلى كابوس صحي طويل الأمد.

وتكشف مصادر طبية أن أغلب أدوية الخصوبة والمستحضرات الجمالية التي تغزو السوق العراقية، خصوصاً تلك التي تروّج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدخل البلاد من دون فحص مخبري دقيق، مستفيدة من ثغرات في عملية الاستيراد وضعف التنسيق بين الجهات الصحية والكمركية.

ورغم أن وزارة الصحة أصدرت أكثر من تحذير بشأن الأدوية المغشوشة أو غير المسجلة، إلا أن السوق لا تزال تغرق بعشرات الأنواع يومياً، لا سيما أن معظم الحملات الإعلانية لهذه المنتجات تعتمد وجوهاً نسائية جميلة ومؤثرات على تطبيقَي “تيك توك” أو “إنستغرام”، يروّجن لفوائدها بسرعة مذهلة، من دون ذكر أي آثار جانبية محتملة. وكثير من تلك الصفحات يعتمد شهادات مزيّفة و”ريفيوهات (آراء وتقييمات)” مفبركة، ما يجعل النساء فريسة سهلة، خصوصاً اللواتي يعشن في المناطق المحرومة من الخدمات الصحية.

دواء يتحوّل إلى داء!

 في حديث صحفي، تقول سارة (27 سنة): “كنت أعاني تأخراً في الحمل. شاهدت إعلاناً عن منتج يساعد في تسريع الحمل فاستخدمته ثلاثة شهور. بعدها واجهت مضاعفات صحية ولم أشعر بتحسن، بل زاد وضعي سوءاً”.

فيما تقول مريم (31 سنة) أنها استخدمت منتجاً لتفتيح البشرة اشترته من صفحة على “إنستغرام”. وبعد أسبوع من الاستخدام بدأت تعاني احمرارا وحكة شديدة في الجلد. فاضطرّت لمراجعة طبيبة أمراض جلدية، وتبيّن أن المنتج يحتوي على مواد غير معروفة المصدر وغير مسجلة صحياً، تسببت في إصابتها بـ”داء الوردية”.

مضاعفات صحية

من جانبه، يقول الطبيب المتخصص في أمراض النساء والعقم، علاء فاضل، أنهم يرصدون شهرياً عشرات الحالات لنساء يعانين مضاعفات مباشرة، نتيجة تناول أدوية خصوبة أو مستحضرات تجميل هرمونية يتم شراؤها عبر الإنترنيت أو من مراكز بيع غير مرخصة، مضيفا في حديث صحفي قوله أن “بعضهن يعانين أعراضا جانبية مثل انتفاخ غير مبرر أو زيادة مفاجئة في الوزن أو تغيرات مزاجية حادة”.

ويتابع قائلا: “الأخطر هو أن بعض المنتجات تحتوي على تركيبات هرمونية اصطناعية بتركيزات غير مضبوطة، مثل جرعات عالية من الإستروجين أو محفزات الإباضة التي تُستخدم عادة داخل وحدات الإخصاب تحت إشراف طبي صارم. والكثير من الحالات تطورت أعراضها إلى تكيّس مبيضي معقد أو احتباس سوائل في البطن والحوض، وهو ما يُعرف بمتلازمة فرط تحفيز المبيض، وهي حالة قد تهدد حياة المريضة إن لم تُعالج سريعاً”.

ويشير فاضل إلى أن “الكثيرات من النساء يلجأن لهذه الأدوية بدافع الضغوط النفسية والاجتماعية المرتبطة بالحمل أو الجمال، من دون وعي بخطورة تناول مواد لا تخضع لأي رقابة أو تحليل مخبري”.

غياب مراكز التوعية

في السياق، تنتقد الناشطة في مجال حقوق المرأة ريم حسن “غياب شبكات الدعم النفسي والاجتماعي للنساء اللواتي يتعرضن للأذى بسبب هذه الأدوية، خصوصاً في مجتمع لا يرحم المتغيرات الجسدية أو العقم. إذ لا يوجد خط ساخن لتقديم المشورة ولا مراكز توعية مخصصة لتحذير النساء”.

وتوضح في حديث صحفي أن “ما يضاعف الضرر هو لوم المرأة التي تُصاب بأعراض جسدية نتيجة هذه المنتجات، بدلا من مساعدتها في التعافي”.

لا قوانين ولا رقابة!

ويشير القانوني وسام عبد العزيز إلى أن “العراق يخلو من قوانين واضحة تجرّم ترويج هذه الأدوية. كما تنتفي أي رقابة صارمة على المؤثرين الذين يسوّقون لها، ويغيب الدور التوعوي لوسائل الإعلام التي غالباً ما تتجاهل الملف، رغم أنه يرتبط بصحة ملايين النساء”.

ويشدد في حديث صحفي على أهمية تفعيل الرقابة على استيراد وتوزيع أدوية الخصوبة والجمال، من خلال فرض غرامات على الصفحات والحسابات التي تروّج منتجات غير مرخصة، وإطلاق حملات توعية رسمية عبر الإعلام المحلي ووسائل التواصل، فضلاً عن إطلاق شبكات دعم نفسي وصحي للمتضررين.

ماذا عن وزارة الصحة؟!

في العام الماضي وجهت وزارة الصحة في إقليم كردستان بياناً تحذيرياً إلى وزارة الداخلية، طالبت فيه بإغلاق الصفحات والحسابات الوهمية التي تروّج منتجات تجميلية أو أعشابا طبية أو مواد للحمل. واعتبرت تلك الأنشطة مخالفة للإرشادات الصحية الرسمية. فيما أكدت نقابة صيادلة العراق في تشرين الثاني 2024، أن تسويق المنتجات الطبية ومستحضرات التجميل عبر الإنترنيت يُعد خرقاً قانونياً خطيراً في ظل غياب الإشراف الطبي.

فراس خالد كامل، من قسم التوعية في وزارة الصحة الاتحادية، يقول في حديث صحفي أن “الوزارة تتابع بشكل يومي الحسابات الإلكترونية التي تروّج وتبيع منتجات طبية أو عشبية أو تجميلية من دون ترخيص، وتحاسب أي جهة مخالفة عبر فرق متخصصة بالرصد والتبليغ”. ويوضح أن “بعض الصفحات تخضع منتجاتها للفحص والرقابة. وفي حال اجتيازها الفحوص تُمنح إجازة بيع رسمية، ويُثبت ذلك عبر ملصق حراري خاص بوزارة الصحة يوضع على المنتج، لا سيما في حالة الأعشاب الخاصة بالتنحيف أو مستحضرات التجميل”.

ويؤكد كامل أن “الأمر لا يتعلق بوزارة الصحة فحسب، بل يتطلب تنسيقاً مع هيئة الإعلام والاتصالات وجهاز الأمن الوطني وغيرهما. إذ إن السيطرة على هذه الصفحات صعبة جداً، نظراً لانتشارها السريع عبر الفضاء الإلكتروني”، مطالباً المواطنين بتحمل المسؤولية من خلال التبليغ عن أي منتجات مجهولة أو مواد ملوثة أو مسببة لأمراض، حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية والصحية اللازمة بحق مروجيها.