ما بين ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء وغياب البرامج الحكومية الخاصة برعاية الأطفال وتنمية مهاراتهم وترفيههم، تبدو العطلة الصيفية في العراق، في نظر كثيرين، وقتاً مهدوراً بلا معنى. إذ يقضي معظم الأطفال عطلتهم مُرهقين لا يتمتعون بساعات نوم هانئ، أو مشغولين بشاشات الهواتف، أو انهم يلهون في الشارع مع أقرانهم.
وتتقاطع الآراء بين أطفال ينتظرون الترفيه في عطلتهم وأهالٍ يعانون محدودية الخيارات. إذ أصبحت الهواتف الذكية الصديق اليومي للأطفال خلال العطلة وسط غياب نشاطات مدعومة أو بيئات ترفيهية آمنة.
وفي الدول المتحضرة يستثمر التلاميذ والطلبة عطلتهم الصيفية في نشاطات مفيدة علمية وتنموية وترفيهية أيضا، بما يخفف عنهم ضغوط شهور الدراسة وينمي قدراتهم ومواهبهم ويكسبهم مهارات جديدة. أما في العراق، فلا أثر لأيٍ من ذلك – وفق ما يؤكده مراقبون وأولياء أمور.
ينامون ويصحون على وسائل التواصل!
في حديث صحفي، يقول التلميذ علي حسين: "أقضي أغلب وقتي متصفحاً تطبيق (تيك توك). أسهر ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما أستيقظ في اليوم التالي بعد معاناة والديّ في إيقاظي، أقول لهما: أين أذهب؟ اتركاني نائماً"!
الحال نفسه لدى سارة (16 عاماً)، التي تتشاجر يوميّاً مع والدتها بسبب السهر. حيث تقول في حديث صحفي: "أسأل والدتي دوماً السؤال نفسه: أين أذهب يا أمي؟ تحدثت كثيراً مع والدي ليسجّلني في مسبح، لكنه رفض بسبب كلفة التسجيل التي تصل إلى 200 ألف دينار شهريّاً مقابل ثلاثة أيام في الأسبوع، ولمدة أربع ساعات فقط. فهذا مبلغ لا يستطيع والدي تحمّله".
وفي السياق، تقول سعاد عبد الكريم، وهي ربّة منزل من حي القاهرة في بغداد: "كنتُ أتمنى تسجيل بناتي في معهد صيفي لتعلّم اللغة الإنكليزية أو السباحة أو إحدى الحرف اليدوية، لكن تكاليف الاشتراك مرتفعة ولا يمكنني أنا ووالدهنّ تأمينها".
أما أبو مروان، وهو موظف وأب لأربعة أطفال، فيؤكد ضرورة أن تُولي الحكومة اهتماماً بحاجات الأطفال خلال العطلة الصيفية، مشددا على أهمية توفير أماكن ترفيهية وتعليمية مجانية، أو مقابل أسعار رمزية. ويضيف في حديث صحفي قوله: "أغلب وقت أولادنا يقضونه إما في الشارع يفتعلون المشكلات أو في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب التي لا تعود عليهم سوى بضررٍ بصري وتوتر عصبي"، مشيرا إلى انه "في بغداد، هناك معاهد تعليمية وترفيهية خاصة تقدم دورات لتعليم اللغة الإنكليزية إلى جانب دورات في الفنون والمهارات الحياتية، لكنها تبقى مقتصرة على فئات معينة".
النوادي للمقتدرين ماليا
من جانبه، يقول محمد عيسى، وهو مدير ناد صيفي في بغداد، أن ناديهم يقدم برامج غنية منها تعليم اللغة الإنكليزية، وبعض الأنشطة الرياضية، كالسباحة. كما يُنظم ورشا فنية وألعابا ترفيهية، مبينا أن النادي يُدار من قبل طاقم متخصص.
لكنه يلفت إلى أن أسعار الاشتراك تُحدد حسب نوع الدورة وفترتها، وغالبا ما يُقتصر الانضمام إلى النادي على المقتدرين ماليا، مستدركا "لكن لو كان هناك دعم حكومي، لكان بالإمكان تعميم هذه البرامج على جميع الأطفال.
ويشير عيسى إلى ان "الأطفال متحمسون للتعلم، لكن المشكلة تكمن في وعي الأهالي. فالكثيرون منهم يعتبرون العطلة الصيفية وقتاً للراحة والنوم فقط، بينما الأطفال بحاجة لتفريغ طاقتهم وإعادة توجيهها".
مسابح غير آمنة
وفي حين تُعتبر المسابح أكثر الأمكنة ترفيها للأطفال خلال الصيف، إلا انها قليلة وأسعار الدخول إليها مرتفعة لا يقوى عليها الفقير وذو الدخل المحدود، فضلا عن افتقارها، غالبا، إلى شروط السلامة والتنظيم.
ويحذّر الطبيب د. فراس خليل الحمداني من المسابح غير المنظمة. ويقول في حديث صحفي أن "من أخطر الأماكن التي قد تنتقل فيها الأمراض هي المسابح، بسبب التلامس والاحتكاك بين الأطفال والمياه التي قد تكون ملوثة"، مضيفا قوله: "نحن الأطباء ننصح الأهالي بعدم اختيار المسبح على أساس قيمة الاشتراك الرخيصة فحسب، إنما بناءً على نظافة المكان وتعقيمه ومدى وجود كوادر متخصّصة". ويوضح أن "بعض الأطفال يشربون مياه المسبح من دون قصد، وهذا أمر خطير جدّاً، وعلى الحكومة أن تراقب دورياً المسابح العامة والخاصة من خلال كوادرها الصحية".
وبسبب عدم توفر مسابح نظامية في كثير من مدن البلاد، وإن توفرت يكون الدخول إليها مكلفا، بسبب ذلك يلجأ الأطفال والفتيان والشباب إلى السباحة في الأنهر، هربا من منازلهم الملتهبة بفعل ارتفاع حرارة الجو وانقطاع التيار الكهربائي، ما يشكل خطرا على حياتهم. حيث ازدادت حوادث الغرق بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
مدارس المواهب الرياضية
في ظل هذه التحديات، تتبنّى وزارة الشباب والرياضة مبادرة "مدارس الموهبة الرياضية" باعتبارها إحدى المبادرات القليلة المنظّمة التي تستهدف الأطفال واليافعين خلال العطلة. وفي حديث صحفي يوضح مدير قسم الموهبة الرياضية في الوزارة د. سولاف حسن، أن "المشروع يهدف إلى احتضان الأطفال من مختلف المحافظات، واكتشاف وتنمية مواهبهم في الألعاب الفردية والجماعية".
ويضيف أن "المدارس تضم 14 لعبة رياضية، وهي تستقبل الأطفال أربعة أيام في الأسبوع، حتى خلال فترة الدراسة، وتفتح أبوابها صيفاً وتقدّم تدريبات مجانية تحت إشراف متخصّصين، كما تراعي الجوانب التربوية والنفسية"، مشيرا إلى ان "الوزارة تعمل على توسيع رقعة هذه المدارس، وتدعو الأسر إلى تسجيل أطفالها فيها والاستفادة من برامجها الصيفية".
إلى ذلك، يرى المتخصّص في الشأن الأسري د. إبراهيم خليل إبراهيم، أنه "رغم الجهود الفردية والمؤسّساتية في رعاية الأطفال، تبقى الحاجة ماسّة إلى سياسة حكومية وطنية شاملة تنظم أوقات فراغ الأطفال خلال الصيف، وتوفر بدائل مجانية أو مدعومة للعائلات ذات الدخل المحدود، وتعيد صياغة مفهوم العطلة الصيفية من وقت ضائع إلى فرصة لبناء الذات. فمن دون ذلك، سيبقى كثير من الأطفال أسرى النوم الطويل والإدمان الرقمي، أو عرضة للانجرار نحو أنشطة ضارّة وغير آمنة".