اخر الاخبار

بعد أن أصبحت الجامعات والكليات الأهلية ركيزة أساسية في المنظومة التعليمية العراقية، يحذر أكاديميون من الانتشار السريع وغير المنظم لهذه الجامعات، كونه أدى إلى تدهور معايير القبول والجودة، الامر الذي يخلق فجوة في تكافؤ الفرص ويؤثر على كفاءة المخرجات.

وتستوعب هذه الجامعات ـ المرتبطة بجهات سياسية ونفوذ مالي ـ أكثر من 50% من خريجي الدراسة الإعدادية سنوياً، مما يخفف الضغط عن الجامعات الحكومية محدودة الاستيعاب، لكنها صارت تمنح شهادات مقابل المال دون الالتزام الحقيقي بالمعايير الأكاديمية، وهو ما وصفه الاكاديميون بـ"كارثة تعليمية" تتفاقم في ظل صمت حكومي واضح.

تكدس الخريجين في تخصصات معينة

يقول د. حسن فخر الدين، أستاذ جامعي مختص في التكنولوجيا، أن الجامعات الأهلية أصبحت اليوم جزءا لا يمكن الاستغناء عنه في المنظومة التعليمية في العراق. فبحسب ما يوضحه، تستوعب هذه المؤسسات أكثر من 50 في المائة من خريجي الدراسة الإعدادية سنويا، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل محدودية الطاقة الاستيعابية للجامعات الحكومية، التي تعاني من ضعف في الإمكانيات المادية والبنية التحتية والقدرات اللوجستية.

ويضيف ان "الكليات الأهلية حلت مشكلة كبيرة جداً في استيعاب الطلبة، وهي اليوم تُكمل عقد التعليم العالي في العراق، خصوصا بعد ما يزيد على 20 عاما على تأسيس العديد منها، حيث بدأت منذ عامي 2004 و2005، وهي الآن في طور التكامل الإداري والبشري".

واحدة من الركائز التي تعزز مصداقية هذه المؤسسات، كما يرى فخر الدين هي نظام التوأمة، حيث ترتبط كل جامعة أو كلية أهلية بمؤسسة حكومية مماثلة. وتقوم الجامعات الحكومية بالإشراف على الجوانب الأكاديمية والإدارية، خصوصا في برامج الدراسات الأولية، ما يضمن حدًا أدنى من الجودة والمعايير.

لكن مع كل هذا الدور الإيجابي، لا يمكن التغافل عن الآثار السلبية التي خلفها الانتشار السريع وغير المدروس للجامعات الأهلية. ومن أبرزها، بحسب الدكتور فخر الدين، هو الاختلال في معايير القبول، حيث تصل معدلات القبول في الكليات الأهلية، خاصة في التخصصات الطبية والهندسية، إلى مستويات أدنى بكثير من نظيرتها الحكومية. "في كلية الصيدلة الحكومية، القبول يبدأ من معدل 98 في المائة، بينما تقبل الكليات الأهلية معدلات تبدأ من 80 في المائة أو حتى أقل. هذا يخلق فجوة واضحة في تكافؤ الفرص ويؤثر على جودة المخرجات التعليمية، يقول فخر الدين.

ولعل التحدي الأبرز الذي يواجهه العراق اليوم نتيجة هذا التوسع هو تكدس الخريجين في تخصصات محددة، لا سيما طب الأسنان، الصيدلة، التحليلات المرضية، وهندسة الحاسبات. هذا الإفراط في الخريجين مقارنة بحاجة السوق أدى إلى تراجع في قيمة الشهادة وارتفاع البطالة بين الخريجين.

ويخلص الى انه "برغم الإيجابيات الواضحة، فإن التجربة بحاجة إلى رقابة صارمة، وتخطيط استراتيجي بعيد المدى، حتى لا يتحول التعليم الأهلي من فرصة إلى عبء إضافي على الدولة وعلى طموحات الطلبة".

غياب المعايير الأكاديمية

أما الأكاديمي د. عبد الحسن جبار فيقول: إن ظاهرة انتشار الجامعات الأهلية لم تعد مجرد مشكلة تعليمية، بل تحولت إلى أزمة مرتبطة بالنفوذ السياسي والفساد الإداري، مشيرا إلى أن بعض هذه الجامعات منسوبة بشكل واضح إلى جهات سياسية وشخصيات نافذة، وتعمل دون التزام فعلي بالمعايير الأكاديمية المعتمدة من وزارة التعليم العالي.

ويضيف جبار لـ "طريق الشعب"، أن "هناك توسعا مريبا في عدد الجامعات والمعاهد الأهلية خلال السنوات الأخيرة، بعضها يعمل بلا بنى تحتية تعليمية حقيقية، ولا يمتلك كادرا تدريسيا مؤهلاً، ويمنح شهادات مقابل مبالغ، ما يُعد استخفافا خطيرا بجودة التعليم وحقوق الطلبة.

ويشير إلى أن "بعض هذه المؤسسات لديها غطاء غير مباشر من شخصيات سياسية أو اقتصادية متنفذة، الأمر الذي يعيق محاسبتها أو حتى مساءلتها"، مؤكدا أن "الحكومة الاتحادية تقف موقفا سلبيا شبه صامت من هذه الكارثة، حيث لم تُسجل حتى الآن أية إجراءات حازمة من قبل وزارة التعليم العالي".

ويبين جبار أنه "في إقليم كردستان تم إغلاق عدد من الجامعات الوهمية. بينما صمت السلطات في الحكومة الاتحادية يشجع على المزيد من التلاعب بالمستقبل الأكاديمي للشباب.

ويحذر الأكاديمي بالقول: "إذا لم تتخذ الحكومة خطوات فعلية وعاجلة لمراجعة وتدقيق تراخيص الجامعات والمعاهد الأهلية بالإضافة الى متابعة سير عملهم، فإننا أمام انهيار تدريجي لمنظومة التعليم العالي، وانعدام الثقة بشهاداته، وسنخسر أجيالا كاملة بسبب تهاون الدولة أمام نفوذ المال والسياسة في ميدان التعليم".

تصنيفات تجارية

وكان نقيب الأكاديميين العراقيين، مهند الهلال، قد ذكر العام الماضي ان "التصنيفات التي تتنافس عليها الجامعات العراقية، تجارية ووهمية غالباً، باستثناء تلك العالمية المعروفة مثل شنغهاي وتايمز وغيرهما. وهذه التصنيفات عبارة عن مواقع إلكترونية تضغط الجامعات على المدرسين والطلاب للنشر فيها، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى مكاتب تمارس الاحتيال الأكاديمي في كتابة بحوث وأطروحات".

وقال الهلال أن "عدد تلك المكاتب المحتالة وصل إلى 600 مكتب داخل العراق وخارجه، وهي تتسلّط على الباحثين وطلاب الدراسات العليا العراقيين، في حين تحوّلت وزارة التعليم إلى مؤسسة ترويج لبعض المواقع الإلكترونية والمكاتب".

تزوير علمي

وضمن السياق، كرر الأستاذ الجامعي د. حيدر ناصر القول بأن "الجامعات الأهلية في العراق تلجأ في الوقت الحالي إلى استخدام مكاتب تصنيفات دولية وهمية تضاعف من تقييمها وتصنيفها العالمي بهدف تحسين صورتها أمام الطلاب وأصحاب الشهادات".

وقال ناصر لـ"طريق الشعب"، أن هذه المكاتب الوهمية تستغل حاجة الجامعات الأهلية لتسويق نفسها وتسلق سلم الترتيب العالمي من خلال منح شهادات وتصنيفات غير حقيقية، ما يضلل الطلبة وأولياء الأمور ويؤثر على مصداقية التعليم العالي في العراق.

وأضاف أن "هذا التلاعب في التصنيفات يفتح الباب أمام تزوير علمي وتسويق غير شفاف وغير موثوق به وهو ما يتطلب وقفة جادة من الجهات الرسمية والجامعات نفسها لإيقاف هذه الظاهرة التي تضر بسمعة المؤسسات التعليمية الوطنية

وأكد أن الجامعات الأهلية مطالبة بالاعتماد على معايير علمية وأكاديمية حقيقية تتوافق مع المعايير الدولية بدل اللجوء إلى مثل هذه المكاتب التي تضخم تقييمها بشكل غير شرعي، مشيرا الى ان هذه الاصلاحات المقترحة "تتطلب تشديد الرقابة وتوعية المجتمع الأكاديمي والطلابي على هذه المخاطر".

ويخلص ناصر إلى أن "استمرار هذه الظاهرة لا يؤثر فقط على سمعة الجامعات بل على جودة التعليم والمخرجات العلمية التي يجب أن تكون نزيهة وشفافة"، داعيا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى "التحرك بشكل فوري وواضح لتصحيح الوضع وتعزيز الثقة بمؤسسات التعليم العالي في العراق".