اخر الاخبار

بفعل جفاف الأهوار، بدأت الخنازير البرية تتجه بأعداد كبيرة نحو الأرياف ومنازل السكان، بحثا عن الماء والطعام، الأمر الذي شكل كابوسا مؤرقا للفلاحين وعائلاتهم، لا سيما أن تلك الحيوانات أصبحت أكثر شراسة وباتت تهاجم الناس ومواشيهم وتخرّب المحاصيل الزراعية.

ومع غروب الشمس عند أطراف ريف يقع غربي ذي قار، يُراود المُزارع أحمد شمخي شعور القلق، وهو يغادر مزرعته متجهاً إلى منزله الذي يبعد عنها نحو ثلاثة كيلومترات. فالخنازير البرية باتت عدوّاً شرساً تُصعب السيطرة عليه. وقد حاول المزارعون في القرى المجاورة، جاهدين، القضاء عليها، لكنّهم لم يفلحوا سوى في قتل عددٍ قليلٍ منها، وفق ما يؤكده شمخي في حديث صحفي. إذ يلفت إلى خسائر كبيرة يتكبّدها مزارعو المنطقة بفعل تلك الحيوانات.

ويوضح أن "الخنازير هربت من الجفاف الذي ضرب الأهوار جنوبي ذي قار، واتجهت نحو القرى"، مبينا أن "انتشارها في الأرياف كان يُعد مشهدا نادرا، لكنه اليوم أصبح كابوسا يؤرق الفلاحين، ويهدد سلامة السكان وحيواناتهم ومزروعاتهم. فهذه الحيوانات الشرسة بدأت تبحث عن الغذاء والماء في قلب المناطق الزراعية، من دون رادع يوقف زحفها".

إعادة توزيع الحياة البرية

من جانبه، يرى الخبير البيئي حسين النداوي أنّ تغيّر المناخ لعب دوراً جوهرياً في إعادة توزيع الحياة البرية، مشيرا في حديث صحفي إلى أنّ "الجفاف الشديد الذي أصاب الأهوار أجبر الخنازير البرية على الهجرة العكسية نحو الأراضي الزراعية والبادية، حيث المياه السطحية والأعشاب".

ويضيف قائلا: "ما زاد الطين بلّة هو انّ الكثير من مناطق الأهوار باتت شبه مهجورة بتحوّل مساحات شاسعة من المسطحات المائية إلى بركٍ ومستنقعاتٍ صغيرة تعلوها الأحراش، ما أتاح للخنازير بيئة مثالية للتكاثر السريع".

ويلفت النداوي إلى أن مناطق أخرى في وسط البلاد وشمالها وغربها وشرقها لا تضمّ مسطحات مائية كما في الأهوار، شهدت هي الأخرى ارتفاعاً في أعداد الخنازير البرية، مرجعاً ذلك إلى عددٍ من الأسباب، أبرزها هجرة الحيوانات من مناطق مختلفة.

ويتابع قوله أن "ما يزيد من سرعة انتشار الخنازير، هو أنّ أنثى الخنزير يمكن أن تلد أكثر من 10 صغار في المرة الواحدة، وتتكاثر مرتين في السنة".

من الناحية البيئية، يؤكد النداوي أنّ "لهذه الحيوانات وجهاً مزدوجاً؛ من جهة هي تساهم في التخلص من بعض الكائنات الضارّة وتُعيد تقليب التربة، لكنها في المقابل تسبّب ضرراً بالغاً للأنظمة البيئية المحلية عبر تدمير مساكن الزواحف والثدييات الصغيرة، وتدمير المزارع والمحاصيل الزراعية".

تفتك بالخضراوات

في السياق، يتحدث المزارع عباس التميمي، من محافظة ديالى، عن فقدانه معظم محاصيله من الخضراوات، خلال موسم واحد، بسبب عبث الخنازير، مبينا أن محاصيله تضم الباذنجان والبامية واللوبيا والطماطم والخيار والبطيخ.

ويقول في حديث صحفي أنه "مع أو بعد غروب الشمس بقليل، تخرج هذه الحيوانات على شكل قطعان أو عائلات. فكثيراً ما شاهدنا أنثى الخنزير وصغارها وهم يجوبون الأراضي الزراعية"، مؤكداً أن "الخسائر التي تخلّفها الخنازير البرية أصبحت يومية".

ويوضح التميمي أن "هذه الحيوانات تقتلع النباتات من جذورها، حيث تأكل الجذور والثمار، وتترك الأرض محفورة بشكل مرعب".

ولا يختلف الحال كثيراً عند المُزارع صباح النوري. إذ يشير إلى أنّ "الخنازير باتت تقترب من أطراف القرى، وفي أكثر من مرة هاجمت السكان"، مبيّناً أنّ "طفلا كان يلعب مع أصدقائه في أطراف إحدى المزارع، هاجمه خنزير فأصاب رأسه ويديه".

ويلفت إلى أنّ "الكمائن والأفخاخ لم تعد تنفع. فهذه الحيوانات ذكية جداً، وقوية، وتعرف متى تفرّ، وكيف تحمي نفسها".

فيما ينبّه الخبير الزراعي فيصل العلي، إلى أنّ أضرار انتشار الخنازير البرية تتعدّى مسألة تدمير المحاصيل.

ويقول أن "هذه الحيوانات تتسبّب في خسائر مباشرة للفلاحين، لكن المشكلة الأكبر تكمن في تعطيل الدورة الزراعية من خلال تراجع الإنتاج، وجعل المزارعين متردّدين في الزراعة مجدداً، وهذا يضرب الاقتصاد المحلي، ويدفع لرفع الأسعار في السوق".

صيدها محفوف بالمخاطر

يبقى الحل الأنسب هو صيد الخنازير، لكن ذلك يعني مجهوداً أكبر، لما تتمتع به هذه الحيوانات من ذكاء في التعرف إلى المخاطر، وكشف المصائد المعدّة لها، فضلاً عن قوّتها البدنية - بحسب عضو جمعية الصيادين العراقيين، محمد نبيل، الذي يؤكد أن "عملية صيد الخنزير البري محفوفة بالمخاطر".

ويشدّد على أنّ "اصطياد الخنازير ليس هواية، بل مهمة تحتاج إلى الاحتراف. فالخنزير يملك جلداً قوياً أشبه بالدرع، يساعده على تحمّل الإصابات والطعنات، حيث يمكنه البقاء حيّاً، بل حتى المقاومة والهجوم وهو مصاب بطلق ناري، فضلاً عن ذكائه الشديد وعدوانيّته وشراسته حين يتعرّض لحصار أو محاولة صيد".

ويشارك نبيل في عمليات صيد الخنازير البرية. وعن ذلك يقول انه يصطحب مجموعة من الصيادين الماهرين، مع استخدام كاميرا مسيّرة وفريقٍ من الكلاب المدرّبة للكشف عن مواقعها، مبيّناً أن فريقه قد يستغرق أحياناً أكثر من يومين في البحث، وقد يفشل في صيد خنزيرٍ واحد في بعض الأحيان.

وينوّه إلى أن فريقه تمكن منذ نحو ثلاثة أعوام من اصطياد 98 خنزيراً برياً.