اخر الاخبار

مع ذروة موجة الحر التي يشهدها العراق، والتي تتكرر سنويا، لم يعد الصيف مجرد فصل اعتيادي، بل تحول الى عبء نفسي وجسدي ينعكس على السكان، ويعيد تشكيل نمط الحياة اليومية وسلوك الأفراد وحتى العلاقات الاجتماعية.

وبينما تسجل الحرارة نصف درجة الغليان، يزداد التوتر والانفعال، وتتغير تفاصيل الحياة وأوقات العمل بالنسبة للكثيرين.

يأتي ذلك وسط أزمة كهرباء حادة حوّلت بيوت المواطنين إلى أفران – حسب تعبير الكثيرين منهم، الذين يرون أن الإنسان قد يتحمل حرارة الجو في الشارع أو في العمل بشكل قد لا يُعكّر مزاجه، لمجرد تفكيره في انه سيعود إلى البيت ويجد ماء يستحم به وكهرباء يشغل بها جهاز التبريد، ما يبدد كُل ذلك الإرهاق، مستدركين "لكن لما يتيقن الإنسان من انه سيعود إلى بيته ويجده قد تحوّل إلى فرن من شدة الحر ورداءة الكهرباء، فهنا لن يجد ما يُمنّي النفس به، الأمر الذي يجعل مزاجه مُعكرا وأعصابه متوترة وغضبه متصاعدا".

انفعالات شائعة تحت اللهيب

الغضب والتوتر وتهيّج الأعصاب باتت انفعالات شائعة بين الأفراد خلال فصل الصيف، سواء في الطرقات العامة أم في الدوائر الحكومية، وحتى في المنازل - وفقا للباحث في الشأن الاجتماعي هيثم السوّاك، الذي يرى في حديث صحفي أن كل شيء يتغير مع ارتفاع درجات الحرارة "لذلك من الصعب مشاهدة وجه يبتسم او وجه طبيعي على الأقل. معظم الناس في الشارع تظهر عليهم علامات الانزعاج والتذمر".

ويضيف قوله أن "من الأسباب الرئيسة لانعكاس ارتفاع درجات الحرارة على سلوكيات الأفراد، هو غياب الخدمات الأساسية التي توفر أجواء مريحة للسكان، مثل الكهرباء وأجهزة التبريد التي تعمل باستمرار في المنازل او أماكن العمل".

موظفون لا يردون التحية!

من جانبه، يقول المواطن مصطفى حسين أن "تأثيرات الحر واضحة حتى في الدوائر الحكومية في تعامل بعض الموظفين مع المراجعين. فعندما راجعت إحدى الدوائر قبل أيام، كان كل الموظفين الذين قابلتهم للحصول على توقيع او إكمال متطلبات المعاملة، لا يردون التحية عليّ، وان ردوا ستبدو ردودهم باردة تخرج منهم بصعوبة. كما انهم لا يجيبون عند سؤالهم عن أي تفاصيل".

ويبيّن في حديث صحفي أن "بعض الموظفين يبدون ممتعضين، وتشعر انهم قنابل موقوتة قد تنفجر بوجهك في أية لحظة"!

ويوضح حسين أن "تأثيرات الصيف واضحة في الشوارع أكثر من أي مكان آخر. فالحرارة أصبحت السبب الرئيس للانفعالات والنزاعات والمشاجرات، خاصة وسط الازدحامات المرورية".

وتسجل مدن العراق أعلى درجات حرارة في العالم، وغالبا ما تتصدر النشرة الدولية. فمن أصل 15 مدينة يكون نصيب العراق نحو 10 مدن هي الأعلى، بدرجات حرارة تتجاوز الـ50 مئوية.

تغيير ساعات العمل

في ظل الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، يضطر الآلاف من العاملين في القطاع الخاص والمهن اليدوية إلى تغيير جداول عملهم. فعمال البناء على سبيل المثال، باتوا يباشرون أعمالهم قبل شروق الشمس أو بعد المغيب، تجنبا لساعات ذروة الحرارة والاصابة بأمراض ضربة الشمس.

يقول العامل محمد عبد الله، أن "عملنا صار يبدأ قبل الـ5 فجرا وينتهي قبل الـ12 ظهرا، وبعض أصحاب الأعمال والحرف يعملون بعد العصر ويستمرون طيلة الليل حتى الفجر وينامون ساعات النهار الذي يغلي بسبب الحرارة".

ويتابع قوله في حديث صحفي أن "الكثيرين من العمال وأصحاب المهن باتوا يعملون ساعات قليلة، غير مكترثين للربح على حساب الراحة الجسدية. فالغالبية باتت ترضى بمردود بسيط بالكاد يكفي لتوفير حاجة العائلة من الطعام"، مضيفا القول أن "العمل غير ممكن تحت ضغط نفسي وحرارة عالية قد تترك آثارا وأمراضا خطيرة".

ويشير عبد الله إلى أن موظفي الدوائر الحكومية يناشدون باستمرار عبر وسائل إعلام وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تقليص ساعات الدوام، أو تغييرها، بسبب الحرارة العالية في أوقات الظهيرة.

تأجيل المناسبات الاجتماعية

إلى ذلك، يقول الاختصاصي في علم النفس علي المياحي، أن "موجات الحر أثرت حتى على العلاقات والواجبات الاجتماعية. فالبعض بات يؤجل مناسباته أو زياراته لحين انتهاء موجات الحرارة".

ويوضح في حديث صحفي أن "التغير المناخي المتسارع والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، كل ذلك يتطلب اجراءات حكومية تساهم في تطوير الخدمات والبنية التحتية، خاصة في ما يتعلق بتوفير الكهرباء ووسائل التكييف في الأماكن العامة والدوائر الحكومية وغيرها من مواقع العمل".