أثارت حملة إزالة البسطات التي نفذتها بلدية الموصل أخيرا في سوق النبي يونس وغيره من أسواق المدينة، موجة غضب بين الباعة. حيث بُلغوا بقرار الإزالة قبل يوم واحد من الحملة، في خطوة وصفوها بـ"المجحفة والمباغتة"، لم تمنحهم وقتا كافيا لإيجاد البدائل، ما تسبب في خسائر مادية فادحة طالت عشرات العائلات التي تعتمد على تلك البسطات كمصدر معيشة وحيد.
وكانت بلدية الموصل قد شرعت يوم الاثنين الماضي، بإزالة البسطات في أسواق مكتظة عدة داخل المدينة، استجابة لطلب الدفاع المدني، الذي رأى أن وجود تلك البسطات يعيق وصول سيارات الإطفاء في حال حصول حادث حريق، ما يهدد سلامة المواطنين. وقد شملت حملة الإزالة أسواق: "النبي يونس، الزهراء، سومر، الموصل الجديدة والقاهرة".
وبينما تقول البلدية عبر وسائل إعلام أن أصحاب البسطات بُلغوا مسبقا بقرار الإزالة، وأن العملية تمت من دون استخدام القوة، وبعد تأمين ثلاثة مواقع بديلة للباعة، يؤكد الكثيرون من الباعة أن المهلة التي منحتهم إياها البلدية قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة، وبالتالي لم يتسن لهم تصفية بضائعهم ورفع بسطاتهم بشكل نظامي.
وجاءت هذه الحملة إضافة إلى حملات تفتيش ومتابعة لمدى الالتزام بمعايير السلامة في المباني الحكومية، على إثر فاجعة الحريق في مبنى "هايبر ماركت" بمدينة الكوت.
24 ساعة ليست كافية
في حديث لـ"طريق الشعب"، قال مصطفى العباسي، أحد أصحاب البسطات المتضررين، أن "البلدية أبلغتنا بقرار رفع البسطات قبل يوم واحد من تنفيذ حملة الإزالة. وفي صباح اليوم التالي باشرنا رفع بسطاتنا"، مضيفا قوله أن "24 ساعة ليست كافية لتصفية البضاعة وإيجاد البدائل. حيث كان هذا القرار بمثابة صدمة، ونحن نعتاش على مردودنا المالي اليسير من بسطاتنا، يوما بيوم".
وتحدث العباسي عن استمرار فرض الجبايات على أصحاب البسطات "رغم عدم وجود إطار قانوني واضح في هذا الشأن". وقال: "ندفع مبالغ شهرية تتراوح بين 150 و800 ألف دينار، حسب العقد الموقّع. بعضنا يحصل على وصولات مختومة لقاء الدفع، وبعض آخر يدفع دون أي أوراق ثبوتية، ما يثير الشكوك حول مصير الأموال التي تُجبى منا. فهل تدخل فعلًا في خزينة الدولة أم تذهب لجهات أخرى؟!".
وأشار إلى أن "هناك تمييزًا واضحًا في التعامل مع الباعة. فبعض المقربين من أصحاب النفوذ يملكون أكثر من بسطتين ولا يتم الاقتراب منهم، بينما يُستهدف الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة".
البلدية لم تُنظم السوق
بررت الجهات المعنية إطلاق حملتها المفاجئة هذه، بانتشار التجاوزات، وبأخطار الحرائق المحتملة التي قد تنجم عن التمديدات الكهربائية العشوائية في السوق، إلا أن العباسي اعتبر أن "البلدية نفسها تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، بسبب تقاعسها عن تنظيم السوق منذ سنوات، وترك الفوضى تتراكم دون حلول جذرية".وأوضح أنه "لا أحد ينكر أن السوق بحاجة إلى تنظيم، لكن الحل لا يكون بمصادرة أرزاق الناس في يوم وليلة، بل بتهيئة بدائل واقعية وتخصيص مواقع قانونية تضمن حقوق الباعة وكرامتهم".
بينما تساءل عن دور الجهات الرقابية في متابعة الأموال التي جُبيت خلال السنوات الماضية: "أين ذهبت تلك الجبايات؟ ولماذا لم تُستثمر في تنظيم السوق بشكل حضاري بدلاً من فرض الغرامات والإزالات القسرية؟!".
تفرقة وتمييز
ومما ذكره العباسي في حديثه للجريدة، هو أن هناك أصحاب عربات يدخلون السوق بدون محاسبة قانونية، كان لهم دور أساسي في تضييق شارع النبي يونس، مبينا أن "هؤلاء لا تجري محاسبتهم، بل تتم محاسبة أصحاب البسطات فقط، ما يُعتبر تفرقة واضحة بين الفئتين، ويعني غياب العدالة في التعامل معهما".
وفي ختام حديثه، دعا العباسي الحكومة المحلية في نينوى وبلدية الموصل إلى "مراجعة أسلوب التعامل مع أصحاب البسطات"، مطالبًا بـ"بإجراء منصف جاد لتنظيم الأسواق الشعبية، دون اللجوء إلى القرارات الفجائية التي تلحق الأذى بالفئات الفقيرة".
وقال: "نحن لا نرفض التنظيم، بل نطالب به، لكننا نرفض أن نُعامل كمخالفين بلا حقوق، بينما نعيش على هذه البسطات في ظل غياب فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة".
ويُعد سوق النبي يونس من الأسواق الشعبية العريقة في مدينة الموصل. إذ يؤمّن مصادر معيشة مئات العائلات وسط ظروف اقتصادية صعبة ونقص حاد في البدائل التشغيلية للفئات الهشة.