في أعقاب الحريق الكارثي الذي التهم مركزا تجاريا في مدينة الكوت، وأسفر عن مصرع أكثر من 80 شخصا، سارعت السلطات المعنية إلى إطلاق حملة تفتيش واسعة شملت المشاريع والمنشآت في عموم البلاد. ورغم أهمية هذه الخطوة لضمان السلامة العامة للمواطنين، إلا أن نتائجها الميدانية أثارت جدلا واسعا، لا سيما بعد إغلاق مئات المراكز التجارية، مما انعكس بشكل مباشر على حياة آلاف العاملين، وخاصة أولئك الذين يعملون بأجور يومية، وبلا حماية قانونية أو ضمان اجتماعي.
"فقدت مصدر رزقي فجأة"
في منطقة الزعفرانية ببغداد، يقف الشاب إبراهيم مثنى، وهو عامل بأجر يومي في أحد المطاعم المغلقة حديثا، شاهدا على الأثر الفوري والمؤلم لإجراءات الإغلاق.
يقول إبراهيم في حديثه لـ "طريق الشعب": "نحن مع تشديد العقوبات على أصحاب المطاعم والمراكز المخالفة، لكن إغلاق المكان يعني حرماننا من موردنا الوحيد للعيش. بعد الغلق، سرح صاحب المطعم جميع العمال دون أن يدفع لنا أجورنا، لا اليومية ولا الشهرية".
ويتابع وفي صوته مرارة عذاب واضحة " أنا أعيل أسرتي وأسكن في بيت مؤجر، ولا أعلم كيف سأدفع الإيجار أو أوفر احتياجات أطفالي، أحدهم رضيع. درجات الحرارة خانقة ولا يمكنني الاستغناء عن اشتراك مولد الكهرباء".
وفي الوقت الذي تكشف فيه حالة العامل إبراهيم بوضوح حجم المأساة الإنسانية التي تكمن وراء أرقام الإغلاقات، يصبح مشروعاً طرح التساؤلات عن مدى مراعاة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية في تطبيق القوانين.
حملة تفتيش واسعة
هذا وأطلقت وزارة الداخلية، عقب كارثة الكوت، حملة ميدانية واسعة لتفتيش المشاريع والمنشآت، أعلنت على إثرها غلق أكثر من 610 مبان ومراكز مخالفة لشروط السلامة، بحسب ما صرح به رئيس دائرة العلاقات والإعلام في الوزارة العميد مقداد ميري، وبيّن أن الرقم قابل للزيادة تبعا لاستمرار الحملة واتساع رقعتها الجغرافية.
وفي بيان لاحق صدر في 14 تموز 2025، كشفت مديرية الدفاع المدني عن ثلاث عقوبات صارمة بحق المخالفين، تتضمن: فرض غرامات مالية، الإغلاق المؤقت أو الدائم، الإحالة إلى القضاء في حال عدم الالتزام بالإجراءات التصحيحية.
نقابات تنتقد القرارات "العشوائية"
بدوره، انتقد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال جمهورية العراق، كريم لفته سندال، الإجراءات المتبعة في إغلاق المراكز، واصفا إياها بـ "التعسفية". وقال في تصريح لـ "طريق الشعب" إن "هذه المراكز تضم مئات العمال، وغلقها دون إنذار مسبق أو خطة بديلة، يهدد استقرار آلاف العوائل، خاصة في ظل تفاقم البطالة في البلاد مند عقود".
وأضاف أن هذه القرارات لم تقتصر على بغداد، بل طالت محافظات أخرى، مما يزيد من حدة الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العاملون، ويدفع بشرائح واسعة إلى حافة الفقر.
ثغرات قانونية وفوضى في التطبيق
الخبيرة القانونية والمتخصصة في شؤون العمال، سماح الطائي، ألقت باللوم على وزارة الداخلية، معتبرة أن الإجراءات المتخذة لا توازي حجم القصور في تنظيم قطاع السلامة.
وأوضحت خلال حديثها لـ "طريق الشعب" أن "الكثير من المشاريع التجارية تمنح تراخيص دون استيفاء الحد الأدنى من شروط الأمان، سواء في البناء أو أنظمة الإطفاء ومخارج الطوارئ".
وأضافت أن "القوانين موجودة، لكن الجهات الرقابية تعاني من ضعف استجابة المؤسسات الحكومية، بل وتغاضي بعض المسؤولين عن مخالفات خطيرة بدافع المحسوبية أو تسهيل الإجراءات".
الحاجة إلى إصلاح متوازن
وفي الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون إلى منع تكرار المآسي الناتجة عن الإهمال، يرى مختصون أن العقوبات لا ينبغي أن تُطبق على حساب الفئات الهشة. فالعاملون في المراكز المغلقة ليسوا طرفا في التقصير، بل هم أول ضحاياه.
ويأمل الكثير من العمال، باعادة النظر في شكل العقوبات المفروضة، بحيث تكون صارمة بحق أصحاب المنشآت المخالفة، لكن دون أن تؤدي إلى طرد العمال وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة. فالتوازن بين العدالة والسلامة والعيش الكريم، ليس خيارا أو ترفاً بل ضرورة وطنية وإنسانية.