اخر الاخبار

في ظلّ أزمة الطاقة الكهربائية المزمنة في العراق، والتي تتفاقم مع اشتداد حرارة الصيف، اضطر مواطنون كثيرون إلى البحث عن الهواء البارد في حلول بديلة تتلاءم مع ضعف التجهيز الكهربائي وعدم استقراره. فبين الانقطاعات المتكررة والجهد الكهربائي المتذبذب الذي قد لا يتجاوز أحيانًا 140 (فولت)، أصبحت أجهزة التبريد التقليدية، مثل المكيفات المنزلية، غير مجدية أو غير قابلة للتشغيل في كثير من الأوقات.

أمام هذا الواقع، اتجه الكثيرون من المواطنين نحو استخدام أجهزة تبريد اقتصادية، تُعرف شعبيًا بـ"الراوترية" أو "الانفيرتر"، وهي أجهزة صغيرة تستهلك طاقة منخفضة ويمكن تشغيلها على تيار ضعيف أو من خلال مولدات كهربائية أهلية، لكن أسعارها مرتفعة نسبيا قد لا يقوى عليها الفقير وذو الدخل المحدود. إذ يلجأ الأخيرون عادة إلى شراء مبردات هواء اعتيادية، رغم ضعف فاعليتها أحيانًا، على أمل توفير الحد الأدنى من التهوية والتبريد داخل المنازل.

وبديهي أن الأسرة التي تتمكن من توفير مكيف اقتصادي، تقوم بنصبه في غرفة واحدة، وبالتالي يجلس جميع أفرادها، ويأكلون ويشربون وينامون في هذه الغرفة! على اعتبار أن سعر المكيف غال، وأن متطلبات تشغيله تفرض سحب أمبيرات إضافية من المولدة الأهلية، لا سيما أن الكهرباء الوطنية لا تتوفر في أفضل الأحوال، سوى 6 إلى 7 ساعات يوميا في معظم مدن البلاد، حتى صار اعتماد المواطن كليا على المولدات.

العراقيون خبراء في التبريد!

في حديث صحفي يقول كاظم جواد، وهو صاحب متجر لبيع أجهزة التبريد في الكرادة، أن المواطن العراقي أصبح خبيرا في أجهزة التبريد. لا يهتم بماركة الجهاز بقدر اهتمامه بكمية الطاقة الكهربائية التي يستهلكها، وبقدرته على تحمل التشغيل فترة طويلة نسبيا.

ويضيف أن "هناك شركات تطرح مكيّفات هواء وبرادات ماء تعمل على تيار كهربائي منخفض بين 1 و5 أمبيرات. ويحرص التجار على توفير تلك الأجهزة نظرا لازدياد حاجة الناس إليها في ظل تردي الكهرباء".

غرفة واحدة لجميع أفراد الأسرة

من جانبها، تقول المواطنة نرمين فاروق، وهي أم لخمسة أطفال، أنه بسبب تردي التيار الكهرباء وتذبذب قدرته، باتت أجهزة التبريد التقليدية لا تصمد أكثر من ثلاث سنوات.

وتوضح في حديث صحفي، أن "هناك عائلات تضطر إلى شراء جهاز تبريد اقتصادي واحد تضعه عادة في غرفة المعيشة. إذ ينام جميع أفراد العائلة في هذه الغرفة خلال فصل الصيف".

وتضيف قائلة: "نحن أسرة كبيرة وإنفاقنا مرتفع، ونحاول أن نقتصد قليلاً. لذلك نشترك خلال الصيف بـ 5 أمبيرات كهرباء من المولدة الأهلية، نشغل بها المكيف الاقتصادي الذي نصبناه داخل غرفة المعيشة. حيث أصبحت مكانا للتجمع العائلي والنوم".

المواطن يُعاني والمسؤول مرتاح!

اما المواطن محمد علي شهاب من محافظة واسط، فيقول أنه "منذ بداية الصيف قمنا بإطفاء أجهزة التبريد تماما خوفا عليها من العطب بسبب تذبذب الكهرباء الوطنية وانخفاض قدرتها (الفولتية)، رغم انها لا تتوفر سوى 6 أو 7 ساعات خلال اليوم".

ويوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أنه "بسبب ضعف قدراتنا المالية، لم نتمكن من شراء مكيف اقتصادي. فالأمر مكلف، سعر المكيف غالٍ وحتى لو اشتريناه لا يمكننا تحمّل تكاليف 4 إلى 5 أمبيرات إضافية من المولدة الأهلية"، مبينا أنه "اضطررنا إلى شراء مبردة هواء ونصبها في إحدى غرف المنزل، ورغم أن هواءها لا يرتقي إلى هواء المكيف، خاصة في شهري تموز وآب، إلا انها أحسن من لا شيء".

ويشير شهاب إلى أن العائلة صارت تتجمع طيلة ساعات الليل والنهار في هذه الغرفة، معربا عن استيائه من الجهات الحكومية المعنية "التي عجزت عن إيجاد حل لمعضلة الكهرباء، ولم تفلح سوى بإطلاق الوعود الزائفة".

ويقول أن "المواطن يعيش اياما صعبة للغاية خلال الصيف، فيما المسؤولون متنعمون بالتبريد والراحة"!

الأطفال يتصارخون من شدة الحر! 

في السياق، يقول المواطن سامي محسن بنبرة ساخرة: "أدفع ثلاث فواتير خلال الصيف: فاتورة كهرباء الحكومة وفاتورة اشتراك المولدة الأهلية، وفاتورة تصليح جهاز التبريد الذي يتعطل بسبب تردي التيار الكهربائي".

ويلفت في حديث صحفي إلى أنه اشترى حديثاً مكيّف هواء صغيراً بعد أن أبلغه التاجر أنه يشتغل على 3 أمبيرات كهرباء، مستدركا "لكن المكيف لم يتمكن من تبريد الغرفة كلها، بل جزء منها".

ويشير إلى انه اضطر إلى شراء هذا المكيف كي ينام طفله الصغير، الذي يتصاعد صراخه  ليلا من شدة الحر!

ويلجأ الكثيرون من العراقيين إلى حلول جزئية للتبريد، من بينها مراوح الرذاذ وأجهزة التبريد الصحراوية الصغيرة، بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف تشغيل المكيفات المركزية ذات الاستهلاك العالي للطاقة.

تبريد مبتكر

ولأن "الحاجة أم الاختراع" - كما يقولون – وجد المواطن فهد الجني حلا بسيطا للأزمة. إذ صنع من مروحة صغيرة مكيف هواء باستخدام مواد مستعملة.

يقول الجني في حديث صحفي، أنه قام بتثبيت المروحة على صندوق خشبي يملؤه بالثلج. حيث تدفع المروحة الهواء داخل الصندوق، فيمر عبر الثلج، وبعدها يخرج من الجهة الأخرى من الصندوق باردا منعشا!

إلى ذلك، تقول المواطنة هند عبد الستار، وهي مدرسة متقاعدة، أنها في فصل الصيف تنفق مالا يتجاوز راتبها المحدود، للحصول على هواء بارد.

وتوضح انه "رغم إمكانياتي المادية المحدودة اشتريت قبل عامين ثلاثة أجهزة تبريد باهظة الثمن من إحدى الماركات العالمية المعروفة، وذلك بنظام التقسيط. وصرت أنفق نحو 250 ألف دينار شهريا على الكهرباء كي أتمكن من تشغيل تلك المكيفات".

وتنوّه هند إلى أنها وجميع أفراد عائلتها يعانون ضيقا مزمنا في التنفس، ومع ارتفاع درجات الحرارة وحلول موسم العواصف الترابية، يتعرضون للاختناق، لذلك لا ملاذ لهم سوى في إغلاق أبواب منزلهم وتشغيل أجهزة التكييف.