في وقت تتسابق فيه الدول العربية نحو التحول الرقمي وتعزيز البنى التحتية للاتصالات، خرج العراق رسميًا من قائمة أفضل عشر دول عربية في مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام 2025، بحسب تصنيفات إقليمية حديثة.
غياب العراق عن القائمة لم يأتِ من فراغ، بل يعكس واقعًا مركّبًا من الإهمال التكنولوجي، والاعتماد المزمن على النظم الورقية، وعدم تبنّي خطط استراتيجية فاعلة لمواكبة العالم الرقمي.
وتصدرت السعودية مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام 2025، الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، والذي شمل 164 دولة عربية وأجنبية، عبر قياس التطور الرقمي وتقدم الدول في خدمات الاتصالات والتقنية. وحلت قطر في المرتبة الثانية، تلتها الكويت والإمارات والبحرين وعمان والمغرب وليبيا والجزائر والأردن.
وتخطو دول المنطقة والعالم خطواتٍ متسارعة نحو الرقمنة والتحوّل إلى الإدارة الإلكترونية، في حين لا يزال العراق يُراوح مكانه في دائرة المعاملات الورقية. حيث تتكدّس الملفات في المكاتب، وتُستهلك ساعات العمل في إجراءاتٍ بيروقراطية مُنهكة.
ورغم الحديث المتكرر عن "الحوكمة الإلكترونية" و"الحكومة الذكية"، إلا ان مؤسسات الدولة لا تزال تعتمد على الأوراق والأختام والتوقيعات اليدوية كوسيلة رئيسة لإنجاز المعاملات، ما يفتح الباب أمام البطء والتأخير وتضاعف فرص الفساد الإداري، ويُكرّس الفجوة التقنية بين العراق وجيرانه.
فبينما تُنجَز في دولٍ مجاورة، على سبيل المثال، معاملات إصدار الهوية أو الجواز أو رخصة السياقة خلال دقائق عبر تطبيقات ذكية، لا يزال المواطن العراقي يتنقّل بين الدوائر حاملاً ملفاته الورقية، في رحلة شاقة قد تمتد لأيام أو أسابيع!
وبالرغم من حصول تحولات رقمية بسيطة في بعض دوائر الدولة، إلا انها لا ترقى إلى المستوى المطلوب. فكثيرا ما يشكو مواطنون من عرقلة إنجاز معاملاتهم عبر تلك النظم، جراء حصول عطل في "السيستم" أو ضعف في خدمة الانترنيت، وبالتالي لا تتحقق جدوى فعلية من ذلك التحوّل.
خروج متوقع وطبيعي!
الخبير في مجال التقنيات الرقمية علي العمران، وصف في حديث صحفي هذا التراجع بأنه "أمر طبيعي ومتوقع"، مشيرًا إلى أن "العراق ما زال يعتمد بنسبة كبيرة على التعامل الورقي في أغلب المعاملات الضرورية والأساسية داخل الدولة، وحتى التنسيق بين المؤسسات الحكومية لا يزال يجري بوسائل بدائية لا تمت للتحول الرقمي بصلة".
وأوضح العمران أن "عدم تحديث آليات العمل، والإصرار على الأنظمة التقليدية، يضع العراق في خانة الدول المتأخرة جدًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، لافتا إلى أن "المشكلة لم تعد فقط تأخيرًا في الإنجاز، بل أصبحت بوابة واسعة للفساد والابتزاز وتعطيل مصالح المواطنين".
بنى تحتية متآكلة
ورغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي، لم ينجح العراق حتى الآن في بناء بنية تحتية تكنولوجية تواكب العصر. فلا تزال غالبية دوائر الدولة تعتمد على الأرشفة الورقية، ولا توجد شبكة وطنية موحدة للاتصالات الحكومية أو منصة رقمية فعالة للخدمات العامة، في ظل شكاوى متزايدة من ضعف الإنترنيت، وانعدام الأمن السيبراني، وغياب التشريعات الناظمة للتحول الرقمي.
ويرى اختصاصيون أن المشكلة ليست في نقص التمويل فقط، بل في غياب الإرادة السياسية والقرارات الحاسمة لتغيير نمط الإدارة العامة، إضافة إلى سوء التخطيط، وفساد العقود الخاصة ببرامج الأتمتة التي غالبًا ما تكون شكلية أو محدودة التأثير.
ضرورة الشراكة مع العالم
ورأى العمران أن "العراق بحاجة ملحّة إلى تطوير البنى التحتية الخاصة بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاعتماد على شركات وأنظمة دولية متخصصة، لا مجرد حلول محلية مؤقتة"، مشيرا إلى أن "التحول الرقمي الحقيقي يحتاج إلى إرادة حكومية، وبيئة تشريعية، وإشراك القطاع الخاص في بناء نموذج مستدام، يضمن كفاءة الأداء ويقلل فرص الفساد".
خروج العراق من التصنيفات الإقليمية والدولية في مجال تكنولوجيا المعلومات لا يمثل مجرد تراجع تقني، بل يكشف عن خلل مؤسسي عميق يُعرقل تطور الدولة الحديثة. ومع تصاعد الحاجة إلى خدمات رقمية متقدمة في كل القطاعات، فإن استمرار العراق في العزلة الرقمية سيعني المزيد من البطء، والتعطيل، والفساد، في وقت تسير فيه الدول الأخرى بثبات نحو المستقبل.