يشهد مجتمعنا معدلات مقلقة من العنف الأسري، الذي يقع غالباً داخل إطار الأسرة، ويشمل الضرب والحرق والتنكيل النفسي والجسدي والتحرش الجنسي وغير ذلك. وما يفاقم هذا القلق، الصمت الذي يرافق حدوث الجرائم، فالعادات والتقاليد تمنع غالبية النساء من التحدث علنا أو تقديم شكاوى للسلطات، كي تعاقب المجرمين وتردعهم، وكي تكافح بشكل جذري هذه الظاهرة الخطيرة.
قصص من الواقع
في إحدى الحالات التي سلطت الضوء على العنف الأسري، أحالت الطبيبة رشا عبد الله، فتاة تبلغ من العمر 23 عاما إلى لجنة الفحص الطبي بعد تعرضها لضرب شديد أدى إلى كسر في أحد أضلاعها. كانت الضحية قد زارت المستشفى أربع مرات خلال فترة قصيرة برفقة أختها، لكنها لم تفصح عن هوية المعتدي إلا بعد تدخلت الطبيبة، لتكتشف لاحقا بأن الجاني هو زوج الفتاة.
تقول الطبيبة إن معظم النساء يفضلن الصمت خوفا من الفضيحة، وغالبا ما تضغط العوائل على بناتهن لحل الأمور داخل الأسرة بدلا من اللجوء إلى القضاء. وتضيف "إن الزواج المبكر، وتعاطي المخدرات، وقلة التعليم لدى المعتدين، هي أسباب رئيسية لمعظم الحالات التي تصل إلى المستشفيات".
أرقام مرعبة
ووفقا لإحصاءات وزارة الداخلية، تم تسجيل نحو 14 ألف دعوى عنف أسري خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، بلغت نسبة الاعتداءات ضد النساء منها 73 في المائة، أي بمعدل 90 حالة يوميا، وهو ما يؤشر تصاعداً خطيراً مقارنة بالعام السابق، الذي شهد تسجيل 18 ألفا و436 حالة عنف أسري طيلة سنة كاملة.
العنف ضد النساء ذوات الإعاقة
وتعاني النساء ذوات الإعاقة، واللواتي يبلغ عددهن 580 ألف امرأة، من أشكال مروعة من العنف، حيث تشير تقارير وزارة التخطيط إلى أنهن أكثر عرضة للاستغلال بسبب ضعف قدرتهن على الدفاع عن أنفسهن. ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، تعرض فتاة مصابة بمتلازمة داون، للاغتصاب من أحد الاقرباء. ورغم صدور حكم قضائي ضد الجاني، فإن هذه القضايا تفضح العجز الكبير في حماية النساء الأكثر ضعفا.
معوقات التشريعات
وتعاني جهود مكافحة العنف الأسري من عوائق تشريعية، إذ تنص المادة 41 من قانون العقوبات لعام 1969 على حق الزوج والأب في "التأديب في حدود الشرع والقانون"، ما يمنح المعتدين غطاءً قانونياً للإفلات من العقاب.
ورغم تقديم مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري" إلى البرلمان منذ عام 2020، فأنه لم يقّر حتى الآن، بسبب معارضة بعض الاحزاب والشخصيات السياسية، بحجة الدفاع عن الدين، حسب قراءتها الخاصة له، أو التذرع بإمكان تشجيع المرأة على "التمرد" أو بفرية مُضحكة، تصف مناهضة العنف الأسري باستنساخ قوانين غربية لا تناسب المجتمع العراقي.
ويؤكد النائب المستقل في البرلمان باسم خشان في تصريح سابق أن "الأحزاب الإسلامية التي تعارض القانون تريد أن تضع العراق تحت بنود الأحكام الشرعية والعرفية. لذا تعمد إلى ترحيله لأكثر من مرة، حتى بات قانون مناهضة العنف الأسري في عداد القوانين المُّرحلة إلى المجهول".
جهود حكومية محدودة
وعموماً، تقوم وزارة الداخلية بجهود في نشر التوعية عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي وتحذر من جرائم العنف الأسري. كما أعلنت عن اتخاذ إجراءات حازمة في بعض الحالات. ومع ذلك، يبقى تأثير هذه الجهود محدوداً، خاصة في ظل نقص دور الإيواء الحكومي للنساء المعنّفات وغياب برامج دعم فعّالة لهن.
حلول مقترحة
الناشطة الحقوقية آيات الزويني ترى بإن الحل يبدأ في زيادة وعي المجتمع حول خطورة العنف ضد النساء وضرورة الإبلاغ عن هذه الجرائم. وتشدد على أهمية إنشاء دور حكومية لإيواء النساء المعنفات، إلى جانب دعمّهن مادياً ومعنوياً.
وتضيف الزويني بأن عدم فضح المجرمين يجعل النساء أكثر عرضة للخطر، مشيرة إلى أن العديد من الجرائم تسجل كحوادث عرضية أو حالات انتحار، كما حدث في بغداد عندما قتلت فتاة على يد شقيقها بعد معرفته بأنها تعمل في إحدى الشركات الأهلية.
نحو مستقبل أفضل
إن معالجة ظاهرة العنف ضد المرأة تتطلب إصلاحات جذرية تشمل تعديل القوانين لتجريم العنف الأسري بوضوح، وتوفير ملاذات آمنة للضحايا، وتعزيز دور المجتمع المدني في حماية النساء.
ورغم الجهود المبذولة من قبل بعض الجهات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان، فالطريق مازال طويلا لتحقيق العدالة والمساواة للنساء، حيث يتطلب الأمر تعاوناً مجتمعياً وتشريعياً شاملاً لوضع حد لهذه الجرائم.