في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه المؤسسات الحكومية الخدمية، مثل المستشفيات، ودوائر المرور والأحوال الشخصية والتسجيل العقاري والكهرباء وغيرها، أماكن لتقديم الخدمات مقابل رسوم رمزية، يصطدم مراجعوها بواقع مختلف تماماً. فبينما يفتقر الكثير من تلك الدوائر لأبسط وسائل راحة المراجع، من قبيل قاعات انتظار نظامية مكيفة تضم مقاعد جلوس كافية.. بينما لا يتوفر كل ذلك تُفرض على المراجع رسوم وضرائب مقابل خدمات ضعيفة، ناهيك عن الروتين القاتل والتعقيدات المفتعلة وفرض الوساطات وغيرها – على حد ما يراه متابعون.
فمن المستشفيات التي تفرض مبالغ غير قليلة على إقامة المرضى ومرافقيهم دون توفير أبسط مقومات الراحة، إلى دوائر حكومية تفرض رسوماً على معاملات روتينية دون تحسين ملموس في الأداء، تتكرر المعاناة وتتوسع الأسئلة.
أين تذهب أموال الرسوم؟!
أين تذهب كل هذه الرسوم التي تُجبى من المواطنين، ولماذا لا تترجم إلى خدمات ملموسة؟ سؤال يتردد كثيراً منذ سنوات عدة دون إجابات واضحة - حسب ما يؤكده مواطنون ومراقبون.
ويتحمل المواطن الذي يراجع دائرة ما لترويج معاملة بسيطة، رسوماً تتراوح بين 20 إلى 100 ألف دينار وأكثر حسب معاملته وملحقاتها. في حين تصل المبالغ إلى مئات الآلاف من الدنانير في بعض الدوائر، ما يثقل كاهل المواطن الذي لا يجد بداً من دفع الرسوم لترويج معاملته. إضافة إلى ذلك ان أغلب الدوائر يفتقر الى سبل راحة للمراجع كوجود مقاعد او تبريد في الممرات خلال ساعات الانتظار.
عضو اللجنة العليا للإصلاح الضريبي، خالد الجابري، يقول في حديث صحفي، أنه "يجب التمييز بين الضرائب والرسوم. فالأخيرة هي من صلاحيات الوزارات. أما الضرائب فتُفرض بقانون وليس تعليمات وزارية. حيث تنص المادة 28 من الدستور على أنه لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها إلا بقانون".
ويشير إلى أن "الرسم يختلف عن الضريبة لأنه عبارة عن مبالغ تدفع للدوائر والمؤسسات مقابل الخدمات التي تقدمها للمواطنين"، لافتاً إلى أن "الضرائب تجبى من الدخل المتحقق باستمرار، بينما الرسم يؤخذ مرة واحدة فقط".
وينوه إلى أن "مبالغ الرسوم تختلف من دائرة لأخرى بحسب نوعية الخدمات التي تُقدم للمواطنين، لكن العديد من الخدمات الحكومية لا يصل إلى مستوى مبالغ الرسوم التي يدفعها المواطن".
ويوضح الجابري، ان "الضرائب تذهب إلى الخزينة العامة، لكن التصرف بها من قبل الجهات المعنية لا يتم وفق دراسة جادة لتوزيع المبالغ بين المحافظات حسب حاجتها"، مبيناً أن "بعض المدن العراقية ما تزال تعاني ضعف أو انعدام البنى التحتية الأساسية". يشار إلى أن هناك دوائر حكومية تستوفي رسوماً مبالغ بها لا تتناسب مع دخل الكثير من الشرائح الاجتماعية. إذ تزيد كلفة إصدار إجازة السوق على 100 ألف دينار تدفع وفق وصولات رسمية، هذا إضافة إلى أجور الاستنساخ وغيرها. وتبلغ كلفة تجديد سنوية السيارة لأول مرة مبلغاً قدره 240 ألف دينار، تدفع كرسوم بوصولات رسمية. كما تُدفع الرسوم أيضاً على جميع معاملات المرور بما فيها رسوم الطرق والجسور، دون أن يلمس المواطن أي عمليات ترميم حقيقية للشوارع والطرقات.
وتم فرض مبلغ 2000 دينار على قسيمة تسديد أجور الكهرباء كأجور طباعة، حتى وإن لم تكن الوحدة السكنية مأهولة ولا تستهلك الكهرباء تصل القائمة لصاحب الوحدة السكنية مثبت فيها مبلغ 2000 دينار كأجور طباعة القسيمة، بينما تتدهور الكهرباء سنة بعد أخرى ويزداد اعتماد المواطن على المولدات الأهلية.
الحكومة تُعظم إيراداتها من جيب المواطن!
من جانبه، يقول عضو اللجنة القانونية البرلمانية محمد الخفاجي، أن "الرسوم التي تستوفيها المؤسسات الحكومية من المواطنين تستند إلى فقرة قانونية تتيح لها استيفاء رسوم مقابل الخدمات، وتفوضها زيادة الرسوم إن قدمت خدمات إضافية".
ويضيف في حديث صحفي، أن "الحكومة تسعى إلى تعظيم الإيرادات من خلال تفويض المؤسسات استحداث خدمات جديدة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام المؤسسات للتعاقد مع شركات القطاع الخاص ومضاعفة الرسوم بشكل يرهق المواطنين، وفي المقابل لا توجد خدمات حقيقية". ويؤكد الخفاجي أنه "لا يوجد سبب حقيقي للتعاقد مع شركات خاصة لإصدار جوازات السفر وتسليم بيانات المواطنين ومعلوماتهم لتلك الشركات، إلا من أجل رفع قيمة الرسوم".
زيادات مفاجئة
بدوره، يوضح النائب المستقل أمير المعموري أن "كلاً من الضرائب والرسوم يتم تسليمها إلى خزينة الدولة وفق خطة معدة لذلك، إلا أن الرسوم لا تتناسب مع الخدمات التي تقدمها الدوائر الحكومية، ولا يتم توزيع الأموال بطريقة مدروسة تلبي احتياجات المدن". ويضيف أن "الشوارع الرئيسة والطرقات الخارجية لم تشهد تحسناً ملحوظاً، وأغلب سائقي المركبات يشكون من وجود تخسفات في الطرق، بينما يتم استيفاء مبالغ من المواطنين تحت هذا العنوان".
ويلفت المعموري إلى أنه "في الفترة الأخيرة حصلت زيادة كبيرة في مبالغ الرسوم والضرائب والتعرفة الجمركية، لا تتناسب مع قيمة المواد المستوردة، ما سببت ضررا كبيرا للتجار، لأن رفع الضرائب تم بدون سابق إنذار"، مشيراً إلى "عدم سيطرة الحكومة على بعض المنافذ بالشكل المطلوب، وهو ما يزيد من عمليات التهريب مع ارتفاع التعرفة الجمركية". وينوه إلى "وجود تحركات في مجلس النواب لمناقشة قرار مجلس الوزراء الأخير المتعلق برفع الضرائب من أجل إعادة النظر في تلك القرارات". في مقابل شكاوى المواطنين من ارتفاع الضرائب والرسوم، يقترح مراقبون اقتصاديون مجموعة من الحلول لهذه المشكلة أهمها ربط تلك المبالغ المستوفاة، بتحسن الخدمات.
"ورطة كبيرة"
إلى ذلك، يقول المواطن خلدون حسن أن "مراجعة الدوائر أصبحت مشكلة كبيرة بسبب ارتفاع الرسوم"، واصفا في حديث صحفي تلك المراجعة بـ"ورطة كبيرة. فترويج أي معاملة مهما كانت بسيطة تكلفنا مبالغ لا جدوى منها ولا طائل".
ويضيف أن "أقل رسم يبلغ 10 آلاف دينار. وقد ارتفعت الرسوم مع ارتفاع السوق والدولار. ولترويج أي معاملة يجب أن يكون في حوزتك مبلغاً لا يقل عن 100 ألف دينار". فيما يشير حيدر عبيد إلى أن "فواتير الكهرباء تصلنا مرتفعة المبالغ، ولا تتناسب مع ساعات تجهيزنا بالطاقة الكهربائية"، مضيفا أن "المستشفيات تستوفي من كل مواطن 5 آلاف دينار من أجل زيارة مريض، بينما لا يجد المواطن كرسياً يجلس عليه خلال الزيارة"!