اخر الاخبار

خاضت الدول المتقدمة تجارب حيّة في مجالات متعددة، منها المحاسبة، والعلوم التجارية، والتربية، والفنون الجميلة، والصحة، والعلوم الطبية، والعديد من التخصصات الحيوية الأخرى. وقد أسهمت هذه الخطوات في تقدمها وارتقائها في ميدان المعرفة والعلوم، بما في ذلك علوم الرياضة البدنية والتدريب.

أما في واقعنا، فقد أدى الابتعاد عن العلم والمعرفة والتخصص في المجال الرياضي إلى تأخرٍ وتراجعٍ ملحوظ. واليوم، أرى فراغًا كبيرًا في علوم التدريب الرياضي؛ إذ أن كثيرًا من العاملين في هذا المجال هم من اللاعبين السابقين الذين اتجهوا إلى التدريب اعتمادًا على خبراتهم الميدانية وتجاربهم السابقة التي استقوها من مدربيهم خلال فترة ممارستهم للألعاب.

وتحضرني هنا حكاية طريفة لأحد مدربي الرياضة في العراق: ففي "أيام زمان"، سافر أحد المدربين إلى إنكلترا لحضور دورة تدريبية استمرت ثلاثة أشهر، تلقى خلالها محاضرات واطّلع على أحدث أساليب وفنون كرة القدم آنذاك. وبعد عودته، بدأ العمل مع فريقه، ولعب مباراة رسمية خسرها. وعند حضوره إلى الوحدة التدريبية التالية، خاطب لاعبيه قائلاً: "لكم أنتم مو مال تدريبات علمية ولا خطط! اليوم نرجع للأسلوب القديم اللي تعلمناه أيام زمان... وابدأوا عشر دورات حول الملعب!"

أسرد هذه القصة للدلالة على أن العديد من المدربين الذين تعلموا وتدرّبوا وفق الأساليب القديمة، لم يتبنّوا التحديثات العلمية والمعرفية في المجال الرياضي، ولم يؤدوا أدوارهم كما ينبغي.

لذا، أوجه ندائي إلى القائمين على وزارة الشباب والرياضة، وإلى قيادة المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية العراقية: إن استمرار الوضع على ما هو عليه، والإهمال المتواصل، سيقود رياضتنا إلى الفشل.

ولنا أن نستفيد من تجربة رائدة خاضها العراق في مطلع سبعينيات القرن الماضي، تمثلت في تأسيس "معهد إعداد القادة للشباب والرياضة"، والذي كان يهدف إلى إعداد كوادر قيادية في الرياضة والتربية البدنية. إلا أن النظام الدكتاتوري آنذاك أفرغه من مضمونه، ليصبح أداة بيد الأحزاب، وفق النموذج البعثي الذي انتشر في عموم البلدان العربية.

نحن اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة هذه التجربة، ولكن على "الطريق الصحيح" ووفق أسس علمية ومعاصرة. ولهذا، أقترح تأسيس معهد عالٍ لتطوير قدرات المدربين العراقيين، مدته سنة واحدة، ويشرف عليه نخبة من الأساتذة والمدربين المتخصصين في مختلف الألعاب الرياضية ككرة القدم، وكرة السلة، والكرة الطائرة، وكرة اليد، إلى جانب محاضرين في مجالات الطب الرياضي، والإعداد البدني، والإعداد النفسي، وسواها من العلوم ذات الصلة.

بهذا التوجه، يمكننا إعداد مدربين يمتلكون المعرفة والقدرة على دخول عالم التدريب بثقة، وقادرين على نقل هذه المعارف للمدربين الجدد، ما يساهم في خلق كوادر فنية وإدارية كفوءة، قادرة على النهوض بالقطاع الرياضي.

إن ما نفتقده اليوم في قطاعنا الرياضي هو هذا الجمع المتوازن بين الخبرة الميدانية والمعرفة الأكاديمية. فالعمل الرياضي لا يقوم على التجربة وحدها، بل يحتاج إلى فهم علمي متين يضمن أداء المهام بأعلى جودة.

وفي الختام، نناشد المؤسسات الرسمية والرياضية أن تمنح للمعرفة والدراسة الدور الذي تستحقه في بناء صرح رياضي شامخ وعالٍ. فالرياضة اليوم أصبحت قطاعًا حيويًا وأساسيًا، لا ينهض إلا بالعلم والمعرفة.