اخر الاخبار

نعم، السماسرة والوسطاء باتوا يتاجرون بحقوق الأندية عبر عقود اللاعبين المحترفين، ويتلاعبون بقيمها ومبالغها، بعد أن تحوّل بعض قادة الأندية والمشرفين على فرقها، من ممثلين حريصين على مصالح أنديتهم إلى سماسرة، يسعون وراء العمولات والأموال المشبوهة، أو ما يُعرف بـ "السُحت الحرام".

اليوم، بات ختام الدوري فرصة لبعض إدارات الأندية للتحضير لموسم جديد من التعاقدات، وهي في واقع الأمر بوابة جديدة للسرقة وهدر المال العام. فالبعض يشدّ "حزامه" ويتهيأ لـ"المعركة القادمة"، لا من أجل تطوير الفريق، بل من أجل اقتسام "الكعكة"، دون أن يضع في حسبانه الأزمة المالية التي تعاني منها الأندية، أو سياسة التقشف المفروضة عليها.

لقد شهدت عقود اللاعبين طفرة غير مسبوقة في قيمها ومبالغها، والسبب الرئيس يعود إلى هؤلاء المتلاعبين والفاسدين، في وقت تعاني فيه بعض الأندية من الفقر والعجز المالي، بينما تمتلك الأندية المؤسساتية الغنية ميزانيات مفتوحة تُستغل بلا رقابة.

أكثر الصيغ شيوعاً في هذه التعاقدات هو الاتفاق على مبلغ مرتفع يُدوّن باسم اللاعب، بينما يُمنح جزء بسيط منه له، وتذهب الحصة الكبرى إلى السمسار أو الوسيط، والذي يتقاسمها غالباً مع أحد أعضاء إدارة النادي الفاسدين، إذ تُدفع هذه المبالغ "تحت الطاولة" بعيداً عن أعين الرقابة.

هذا السلوك المنحرف الذي يمارسه بعض الوسطاء من أعضاء إدارات الأندية يشكل عبئاً أخلاقياً ومالياً خطيراً، ويُعدّ أحد أبرز مظاهر الفساد المستشري، خاصة أن معظم الأندية تعاني أصلاً من ضعف الموارد وقلّة الدعم.

في المقابل، نجد هؤلاء المتورطين يستثمرون هذه الأموال في شراء العقارات والسيارات الفاخرة، بينما تنهار بنية الرياضة تحت أقدامهم. لقد فاحت رائحة الفساد من سياسة التعاقدات و"الاحتراف" المزعوم، وبدأت تزكم الأنوف، في ظل غياب الرقابة والحرص، والمبالغة في دفع الأموال دون تقييم حقيقي للمستوى الفني للاعبين.

لقد أُبرمت العديد من العقود الفاشلة مع لاعبين دون المستوى، وبعضهم مصاب وغير جاهز أصلاً، ما تسبب في خسائر مالية فادحة ونتائج رياضية متواضعة. هذه التجربة، بكل مساوئها، تحتاج إلى مراجعة شاملة، وتقييم دقيق لمعالجة الأخطاء والعيوب والنواقص.

وهنا، أتوجّه بنداء إلى قادة الأندية وإداراتها: لو أنكم أنفقتم هذه المليارات من الدنانير على فرق الشباب والأشبال والناشئين، وعلى تطوير بنى أنديتكم التحتية وتشييد ملاعبها وساحات تدريبها، لكنتم جنيتم مواهب محلية حقيقية قادرة على تمثيل الأندية والمنتخب بأفضل صورة، بدلاً من التعاقد مع "أنصاف محترفين" خلال السنوات الماضية.

إن بناء كرة القدم العراقية لا يتم بعشوائية أو استعجال، بل عبر برنامج مدروس، وخطة واضحة تُبنى على أسس علمية، بعيداً عن الصفقات المشبوهة واللهاث وراء النتائج السريعة. كما أن الاتحاد العراقي لكرة القدم، بوصفه الجهة الرسمية الراعية للعبة، يتحمّل المسؤولية الأكبر في إصلاح الوضع، ولن يتم ذلك إلا من خلال النقاش المفتوح والمستمر مع أهل الخبرة والاختصاص.

وأخيراً، فإن معظم الاتحادات الكروية التي سبقتنا في تطبيق نظام الاحتراف واجهت في بداياتها أخطاء مشابهة. لذا، أدعو الإخوة في الاتحاد العراقي لكرة القدم إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، ومراجعة سياساتهم، وتفادي أخطائهم، حتى نتمكن من إنجاح التجربة الاحترافية، والسير بها نحو مستقبل أكثر شفافية وتطوراً. ولنا عودة.