اخر الاخبار

الحدائق والمتنزهات نوافذ مشرعة للراحة والاستجمام، وقضاء لحظات بين أحضان الطبيعة البهيّة، تجدها في كل مدن العالم، كما تجد الحكومات في كل البلدان تسعى إلى إنشاء حدائق عامة يؤمّها الناس في أوقات فراغهم، ليستنشقوا هواءً نظيفا بعيداً عن مؤسسات العمل والبيوت، ويقضوا سويعات مع الأهل والأحباب في أحاديث ممتعة .

 في المعقل كانت حدائق ومتنزّهات كثيرة أنشئت هنا وهناك ( جزيرة السندباد ، شفقة العامل ، مدينة الألعاب ، الأندلس ..الخ ) كلّها كانت متنفّساً لأبناء البصرة، يجيئون إليها في أيام الجمعة والعطل والمناسبات وينظمون السفرات الترفيهية.

 شَفْقة العامل كانت متنفّساً لساكني المعقل منذ إنشائها في أوائل ستينات القرن المنصرم، حين كانت الحركة العمرانية تعم أرجاء المعقل بجهد مؤسسة الموانئ العراقية آنذاك .

بُنيت على طراز المعمار الصيني لتشكّل أربع قبّعات لأربعة عمّال، هذا ما تقوله الحكاية عن زيارة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم للبصرة، ووقوفه في نفس المكان الذي بنيت فيه،إذ يقول من شهدوا الزيارة وعاصروها، أن الزعيم حينما وصل إلى المعقل وبعدما رفع الناس سيارته عالياً ليكون الزعيم الوحيد في العالم أجمع، الذي يرفع الناس سيارته بأيديهم عالياً مرحّبين به وبوجوده بينهم، بعدها تحدث عن إنشاء حديقة ليؤمّها ساكنو الحي، ووقتها شاهد أربعة عمال يرتدون القبّعات، فقال أريد بناية تمثّل قبّعات أعمامي العمّال الأربعة هؤلاء. وبناء عليه بنيت البناية بطوابقها المتدرّجة إلى الأعلى بشكل رباعي هرمي، على غرار الدور الصينية، وتم تخطيط المكان ليكون حديقة ومتنزّهاً جميلاً تفوح منه روائح الجوري، فيصبح معلماً من معالم المعقل بشكل خاص والبصرة بشكل عام.

في سبعينات وأوائل ثمانينات القرن المنصرم كان الطلبة يقضون جلّ أوقاتهم للدراسة والمطالعة بين أفياء شجيراتها وعلى تخوت مصاطبها، يرتشفون الشاي من أيدي عامل الكازينو الذي يدور بصينيته بين الكراسي وفي أرجاء الحديقة. كما كانت تقام فيها احتفالات وسفرات وجلسات سمر تتخللها المسابقات والموسيقى والأغاني الجميلة، إضافة إلى اتّخاذها مخيّماً كشفياً لتلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية في مناسبات الكشّافة .

وللأسف الشديد سعت إليها يد الخراب منذ عام 1991، لتؤول إلى زوال وتصبح بيوت تجاوز بعد عام 2003، فتتحول الحديقة إلى بيوت من الصفيح وما شابه، ويظل هيكل البناية (شفقة العامل) شاهداً على زمان انتعش فيه هذا المكان، ثم تحوّل إلى أنقاض وخرائب، تذرف العيون الدموع كلّما مررنا بالقرب منها، أو تذكّرنا لحظات عشناها بين أفيائها الوادعة الجميلة !

اليوم ومع حملة البناء التي نلاحظها هنا وهناك، نتطلع الى عودة هذا المعلم الجميل يشعّ بلونه الأزرق ليبعث السكينة والفرح في نفوس الناس جميعاً، وعودة حديقة شفقة العامل زاهية بورودها وزقزقة عصافيرها وهديل الحمام!