كتابة: بيلي كاهورا
ترجمة : قحطان المعموري
بيلي كاهورا: كيف أثّرَعليك المنفى والبعد عن الأماكن التي كانت تشكل خلفية رواياتك الأولى؟ هل وجدت تجربة كتابة "ساحر الغراب" مختلفة عن تجاربك السابقة حين كنت تقيم في كينيا إلى حد كبير؟
نغوغي وا ثيونغو: كتبت "النهر الفاصل"، و"لا تبك ايها الطفل"، و"الناسك الأسود" في أوغندا. و"حبة قمح" في ليدز، بريطانيا. بدأت "تويجات الدم" في إلينوي، الولايات المتحدة، وكتبت معظمها في كينيا، وأكملتها في يالطا، روسيا. كتبت "شيطان على الصليب" في سجن بكينيا، و"ماتيغاري" و"ساحر الغراب" في بريطانيا والولايات المتحدة. الأعمال الوحيدة التي كتبتها وأنا مقيم كليًا في كينيا كانت المسرحيات: "سأتزوج عندما أريد" (مع نغوغي وا ميريي)، و"محاكمة ديدان كيماثي" (مع ميسيري موغو). أترقب اليوم الذي أكتب فيه رواية كاملة على تراب كينيا. ربما كانت كتابتي صراعًا للبقاء متصلًا بكينيا — قصيدة حب لشعبي الكيني.
* بيلي كاهورا: إن أغلب كُتاب جيلك نشأوا غالبًا في القرى وتلقوا تعليمهم في مدارس الإرساليات، بينما يبدو أن معظم الكُتاب الآن يعيشون في المدن وينتمون إلى خلفيات طبقية "متوسطة"، من منظورك الماركسي، هل ترى أن هذا التحول مهم بالنسبة للأدب الإفريقي، وللأسئلة الكبرى التي طالما طرحتها من خلال كتاباتك، خصوصًا في أعمالك مثل تجربة كاميريثو، ودور الكاتب الآن في إفريقيا؟
- وا ثيونغو: لا يهم أين تلقّى الكاتب الإفريقي تعليمه أو أين يعيش. كل شخص إفريقي متعلّم عليه واجب رد الجميل للغته. إلى متى سنستمر في أخذ ما هو لغوي من لغاتنا لنُغذي به لغات المستعمرين السابقين، الذين حاولوا بكل الوسائل تدمير لغاتنا؟ انظر إلى تجربة (كاميريثو) وكيف عملنا بلغة المجتمع. لكن دعونا لا ننسى أن من دمرت (كاميريثو) هي حكومة إفريقية ، فقط لأننا عملنا بلغة إفريقية محكيّة داخل المجتمع! عقلية الإستعمار هي من أغلق المشروع وسجنتني في سجن شديد الحراسة. بالتأكيد، هناك قلق مشروع بشأن وحدة الدول. لكن، دعونا نتذكّر أن ما يخلق التوتر والاستياء هو النظر الى اللغات من منظور هرمي. ما نحتاج إليه هو آليات للحوار بين اللغات الإفريقية. الترجمة هي واحدة من هذه الآليات. يمكننا حتى استخدام اللغة الإنجليزية كجسر. ولكن يجب أن نستخدمها للتمكين وليس للتعطيل. في الوقت الحالي، تُمكِّن الإنجليزية التواصل بين المجتمعات اللغوية الإفريقية المختلفة عن طريق تعطيل صلة المثقفين بلغاتهم الأصلية.
* بيلي كاهورا: هل تقرأ الروايات الإفريقية الحديثة؟ وما هي أوجه التشابه والاختلاف في الشكل الروائي مقارنة بما كنت تكتبه في الستينيات والسبعينيات؟
- وا ثيونغو: من الصعب عليّ مواكبة هذا الكم الهائل من الإنتاج، وهذا بحد ذاته تعليق على كثرة الكُتّاب والكتب في أنحاء القارة. لكن إعجابي كان بكاتبتين هما: تشيماماندا نغوزي أديتشي وناموالي سيربل. رواية أديتشي "نصف شمس صفراء" هي رواية يجب أن يقرأها كل كاتب. ثم هناك العمل المبهر "الانجراف القديم" لسيربل. من بين العناوين الأخرى التي لفتت إنتباهي ، رواية "رقصة الجاكاراندا" للكاتب بيتر كيماني. أعترف أنني مولعٌ بهذا العمل تحديدًا، كما أنني فخورٌ جدًا بأعمال أبنائي الأربعة المنشورة: تي نغوجي (مواسم الحب واليأس)، وندوكو وا نغوجي (جرائم المدينة)، وموكوما وا نغوجي (حرارة نيروبي)، ووانجيكو وا نغوجي (سقوط القديسين). نحن عائلةٌ من المتنافسين الأدبيين. أصغرهما، مومبي نغوجي وتيونغو نغوجي، فهما يطرقان الباب ويكادان يفتحانه بالقوة. لكنني أتطلع معهما ومع جميع الكُتّاب الآخرين من القارة إلى اليوم الذي يكتشفون فيه تلك القوة السحرية للغات الأفريقية ويتواصلون معها. أود أيضًا أن أحيي مجلتين أدبيتين: (كواني) و(جالادا)، وكلاهما من إبداعات الشباب. لقد كنتما جزءًا من ثورة مكنوناتي الأدبية.
* بيلي كاهورا: المؤسسات التي كنت جزءًا منها مثل قسم الأدب بجامعة نيروبي والصفحات الثقافية في جريدة "ذا نيشن" لم تعد مركزاً للنقاش الأدبي. اليوم، تدورأغلب النقاشات على "تويتر" ومنصات الكُتّاب. فيما يتعلق بإنتاج الروايات الكينية من قبل الكُتّاب المحليين بين عامي 2004 و2019، تم إنتاج حوالي 170 رواية غريبة كما تم تجميعها في مجلة أدب الكومنولث. من بين هذه الروايات، لا يصل عدد الروايات الخيالية إلى 100. بالمقارنة مع المراجع السنوية المماثلة بين الفترة الزمنية نفسها من عام 1968 - 1978، انخفض عدد الروايات "الأدبية" المنشورة في كينيا كثيراً، وهو أمر مفاجئ وبعيد عن التوقعات . ان العديد من أشهر الكُتّاب الأفارقة عالميًا - من ناموالي سربيل إلى هيلون هابيلا إلى مازا منجيستي - يعيشون ويعملون خارج أفريقيا. لا أقول إنه لا توجد أعمال تُنتج في القارة، ولكن أدب "الرواية الأفريقية" أخذ يتراجع تدريجيًا من دور النشر المحلية. ما رأيك في هذا، خاصةً عند مقارنته بالإمكانيات الأدبية في عصرك؟
- وا ثيونغو: الانقسام الكبير هو بين كُتاب إفريقيين يكتبون بلغات أوروبية وكُتاب يكتبون بلغات إفريقية. والحديث هنا ليس عن الجودة. لقد أنتج الأدب الإفريقي باللغات الأوروبية أعمالًا عبقرية كثيرة. لكن ما أريده هو أن أرى هذه العبقرية تستكشف الإمكانيات الكامنة في اللغات الإفريقية. هذه اللغات هي التي تحتاجنا، وليس اللغات الأوروبية.
* بيلي كاهورا: ما رأيك في وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت اليوم مساحة مهمة للنقاش السياسي والاجتماعي وماذا تعني لك ككاتب؟
- وا ثيونغو: هي جزء من حياتنا. لقد مكّنت التكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي من الازدهار. أقول: يجب علينا استغلالها. سمعت أن ناموالي سيربل تكتب رواية عبر تويتر. أتطلع لقراءتها. أود أن نستخدم هذه التقنيات لخدمة اللغات الإفريقية. انظر إلى الأثر العالمي لمحاربين لغويين من السنغال. أريد أن أرى المزيد منهم في القارة.
* بيلي كاهورا: مع وفاة الرئيس الكيني السابق دانيال آراب موي ، يبدو أن جدلاً واسعاً قد ثار حول كيفية تخليد ذكراه. كان الموقف الرسمي للحكومة الكينية هو الاحتفاء به كرجل دولة مخضرم. كما وصفته شخصيات إعلامية مرموقة في الصحف الكينية والمجتمع المدني والكينيين على تويتر بأنه ديكتاتور ومفتاح المشاكل السياسية المستمرة في كينيا. بصفتك الشخصية المحوريّة في واحدٍ من النظامين اللذين دافعتَ عنهما في كتاباتك، ما هو إرث موي برأيك؟
- وا ثيونغو: يذكرني آراب موي بعشرين عامًا من الرعب. كان منتجًا استعماريًا، تمامًا مثل عيدي أمين، موبوتو، بينوشيه وآخرين. الحاكم في روايتي "ساحر الغراب" هو تجسيد لكل هؤلاء الطغاة. يقول البعض إن موي كان يسير على خطى كينياتا. الفرق كبير: جومو كينياتا قضى 40 عامًا من حياته في النضال من أجل حرية الكينيين. لكنه خذلهم عند وصوله للسلطة. أما موي، فقد كان صنيعةً استعماريةً منذ تعيينه في المجلس التشريعي بدعم من المستوطنين وحتى تأسيسه لحزب كادو. إذا نسي الكينيون تاريخ سنوات حكم موي الإرهابي، فقد يُحكم عليهم بتكراره. قد يحمل موي التالي اسماً آخراً. لكن الشيء الجيد الوحيد الذي فعله موي، ثم تخلى عنه بسرعة بناءً على طلب البريطانيين وصندوق النقد الدولي، كان مشروع نيايو كار، القائم على خطة طموحة رسمها المهندس جيكاغا. كانت رؤية جيكاغا هي تطوير كينيا صناعيًا على نطاق واسع لتصبح دولة منتجة للسيارات والطائرات.
* بيلي كاهورا: مع تراجع إنتاج الروايات الأدبية في كينيا مقارنة بزمنك، ما هو دور الأدب في السياسة الإفريقية المعاصرة، خصوصًا بعد أحداث هامة ، مثل أعمال العنف التي أعقبت انتخابات 2007/2008، الدستور الجديد في 2010، التعددية الحزبية في التسعينيات، ونتائج الانتخابات الأخيرة التي حسمتها المحاكم؟
- وا ثيونغو: في الحقيقة، أعتقد أن هناك عددًا كبيراً من الكُتّاب في كينيا اليوم، حتى وإن كان أغلبهم يكتبون بالإنجليزية، مقارنة بزمني. عندما نُشرت روايتي "لا تبكِ أيها الطفلْ" عام 1964، كانت أول رواية بلغة أوروبية لكاتب أسود من شرق إفريقيا. السياسة دائمًا موجودة، وعلى كل جيل أن يستلهم ما حوله.
* بيلي كاهورا: إذا طُلب منك إعطاء نصيحة واحدة للكاتب الإفريقي الشاب، ماذا ستكون؟
- وا ثيونغو : اختر لغة ( وأتمنى أن تكون إفريقية) ، أُكتبْ ، ثم أُكتبْ ، ثم أُكتبْ مجدداً و مجدداً ، وستتقن الكتابة في النهاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر