لقد أحدث ظهور الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية في مفهوم كسر الجدار الخامس ، فبفضل الذكاء الاصطناعي، لم يعد المشاهد مجرد متلقٍ سلبي، بل بات عنصرًا فاعلاً ومؤثرًا في التجربة السردية، مما يعيد تشكيل العلاقة بين النص والجمهور بشكل جذري.
ومما لا شك فيه ان الذكاء الاصطناعي يساهم في تحقيق هذا التحول من خلال عدة آليات. منها انه يتيح التفاعل اللحظي (Real-time Interaction) والشخصنة (Personalization)، حيث يمكن للمشاهد التأثير مباشرة على مسار القصة أو التفاعل مع شخصياتها.
وقد بدأت إمكانية (التفاعل اللحظي) في الذكاء الاصطناعي مع ظهور أولى برامج المحادثة مثل ب رناELIZA الذي طوره (جوزيف وايزنباوم) عام 1966 في معهد MIT.، حيث سمح هذا البرنامج بإجراء حوارات بسيطة مع المستخدمين، ما شكل أولى محاولات التفاعل اللحظي بين الإنسان والآلة، أما إمكانية (الشخصنة) في الذكاء الاصطناعي فبدأت في التسويق الرقمي خلال أواخر الثمانينيات والتسعينيات عبر البريد المباشر والتسويق الهاتفي، حيث كان يتم تقسيم الجمهور بناءً على بيانات أساسية.
مع إطلاق نظام التوصيات في أمازون عام 1998، حدثت نقلة نوعية في مفهوم الشخصنة الرقمية، حيث تم استخدام بيانات الشراء لتقديم توصيات مخصصة لكل مستخدم.
وكسر الجدار الخامس ويمكن أن نراه بوضوح بالألعاب السردية مثل لعبة (زنزانة الذكاء الاصطناعي) (AI Dungeon) التي ظهرت في عام 2019، يمكن للمستخدمين كتابة مقترحاتهم للنص، ويقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد استجابات فورية، مما يغير مجريات السرد بشكل ديناميكي ويجعل كل تجربة فريدة من نوعها، خاصة فقط بالشخص نفسه، هذا التفاعل المستمر يمنح المشاهد شعورًا بأنه ليس مجرد متفرج، بل جزءا لا يتجزأ من عملية الخلق السردي
ومن جانب اخرفقد يُحدث كسر الجدار الخامس من خلال تفاعل الذكاء الاصطناعي في المحادثات، مثل تطبيقات المحادثة القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل شخصية الذكاء الاصطناعي (Character.AI) التي انطلقت في عام 2023، تتجاوز الشخصيات الافتراضية أحيانًا دورها المحدد لتعلق على الحوار أو حتى تعترف بوجودها ككيان رقمي، وهو ما يُعرف بـ الخروج عن الدور (Out-of-Character, OOC) هذا النوع من التواصل يخلق إحساسًا عميقًا بالتفاعل المباشر مع الكيان الذكي، ويكسر حاجز الإيهام السردي، حيث يدرك المستخدم أنه يتفاعل مع كيان واعٍ وليس مجرد برنامج، حتى في المنتديات، تُلاحظ ظاهرة قيام الذكاء الاصطناعي بكسر الجدار الخامس من خلال التعليقات التي تتجاوز سياق النقاش وتتفاعل مع المستخدمين بوعي ذاتي.
كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز كسر الجدار الخامس عبر بيئات البث المباشر (Livestreaming) والتفاعل الاجتماعي، فمنصات البث المباشر المدعومة بالذكاء الاصطناعي تسمح للمشاهدين بالتفاعل الفوري مع صنّاع المحتوى أو حتى مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستجيب لتعليقاتهم في الزمن الحقيقي.
هذا التفاعل يزيل الحاجز بين المبدع والجمهور، ويعزز من مفهوم المشاركة الفعّالة، حيث يصبح المشاهد جزءًا من عملية البث.
على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل تعليقات الجمهور في البث المباشر وتعديل المحتوى أو استجابات الشخصيات الافتراضية فورًا، مما يخلق تجربة مشاهدة فريدة ومتغيرة باستمرار
هذه التفاعلات تجعل كل مشاهدة تجربة فريدة، مما يمثل كسرًا للجدار الخامس على مستوى جماعي.
أخيرًا، تتضح مساهمة الذكاء الاصطناعي في كسر الجدار الخامس من خلال تطويره لتجارب فريدة في قطاعات مختلفة، في المتاحف، أصبحت الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل روبوت بيبر (Pepper) قادرة على التفاعل مع الزوار وتخصيص السرد التاريخي أو الفني لكل منهم بناءً على اهتماماتهم وتفاعلاتهم، مما يكسر الجدار التقليدي بين العمل الفني وجمهوره ويجعل التجربة متحفية أكثر شخصية وتفاعلية هذا التحول يعيد تعريف دور المشاهد من متلقٍ سلبي إلى مشارك فعال، ويجعل من كسر الجدار الخامس أداة سردية ديناميكية تتوافق مع متطلبات العصر الرقمي وتطلعات الجمهور، واليكم أمثلة من الأفلام.
فيلم (بانديرسناتش) المرأه السوداء (Bandersnatch)
ومن أبرز الأمثلة في مجال الفن السينمائي هو فيلم بانديرسناتش (Bandersnatch) عام 2018، حيث يُمنح المشاهد خيارات متعددة تؤثر على حبكة الفيلم ونهاياته، ويقوم النظام الذكي بتتبع هذه الخيارات وتوجيه السرد بناءً عليها، مما يجعل المشاهد يشعر وكأنه يخاطب الفيلم ويتحكم في سير الاحداث به
فيلم بانديرسناتش (Bandersnatch) عام 2018
فيلم المرآة السوداء: باندرسناتش (Black Mirror: Bandersnatch) من إخراج ديفيد سليد (David Slade) ، وهو مخرج أفلام بريطاني معروف بدأ مشواره بصنع كليبات موسيقية لأسماء كبيرة مثل أفيكس (توين) و(سيستم أوف أ داون)، ثم اتجه إلى إخراج أفلام طويلة مثل "30 يوما من الظلام" و"ملحمة الشفق: خسوف".
أصدر الفيلم على منصة نتفليكس في 28 ديسمبر 2018، والفيلم إنتاج مشترك بين بريطانيا وأمريكا، وهو فيلم تفاعلي ضمن سلسلة المرآة السوداء، حيث يمكن للمشاهد اتخاذ قرارات تؤثر على مجريات القصة ونهاياتها المتعددة.
الفيلم من كتابة مبتكر المسلسل تشارلي بروكر، ويتميز بأسلوب سردي غير خطي معقد استغرق إنتاجه وقتًا أطول من الحلقات الاعتيادية.
تحدث ديفيد سليد في مقابلات عن صعوبة كتابة وإخراج هذا الفيلم التفاعلي، وأشار إلى أن بعض نهايات الفيلم سرية للغاية وصعبة الوصول إليها، حتى أنه قد لا يشاهدها معظم المشاهدين (IGN، كما استخدم سليد تقنيات تصوير خاصة للحفاظ على الطابع الزمني للفيلم، مثل تصوير المشاهد التي تدور في ثمانينيات القرن الماضي باستخدام أفلام 35 ملم (Elcinema.
ويعد فيلم باندرسناتش قد جمع بين السينما التقليدية والتقنيات التفاعلية الحديثة، حيث تميز بتجربة تفاعلية فريدة، حيث يُطلب من المشاهد اتخاذ قرارات متعددة خلال المشاهدة، مما يؤدي إلى أكثر من خمسة نهايات مختلفة، ويجعل زمن المشاهدة الفعلي يتجاوز الساعة والنصف التقليدية إلى عدة ساعات حسب اختيارات المشاهد، وقد استغرق إعداد الفيلم عامين بسبب تعقيد السيناريو غير الخطي، مما أدى إلى تأخير إصدار الموسم الخامس من المسلسل.
أشار مخرج الفيلم (ديفيد سليد) إلى أن بعض النهايات في الفيلم سرية للغاية وصعبة الوصول إليها، وقد لا يراها معظم المشاهدين أبدًا.
اما فيما يتعلق بالتصوير حرص المخرج (ديفيد سليد) على تصوير المشاهد التي تدور في سبعينيات القرن الماضي باستخدام أفلام 35 ملم للحفاظ على الطابع الزمني، مما أضفى على الفيلم واقعية بصرية مميزة، كما وفرت نتفليكس فيديوهات توثق كيفية تصوير الفيلم التفاعلي، مشيرة إلى التحديات التقنية والفنية التي واجهها فريق العمل.
وتري الباحثة كاتبة هذا المقال أن فيلم باندرسناتش تجربة سينمائية مبتكرة جمعت بين تقنيات السرد التفاعلي والخيال العلمي، وأعاد تعريف علاقة المشاهد بالنص السينمائي من خلال منحهم دورًا فاعلًا في تحديد مجرى القصة.