اخر الاخبار

أعادت الآلية الرباعية المكونة من أمريكا - مصر - السعودية والإمارات، الملف السوداني إلى واجهة الأحداث بالتزامن مع أحداث خارجية تتمثل في اقتراب أسطول السلام من شواطئ غزة وتنامي الغضب الشعبي حتى داخل أمريكا نفسها جراء الحصار والقتل والتجويع الذي تمارسه إسرائيل ضد شعب أعزل، بمساندة أمريكية على كل المستويات، وصل حتى الكونغرس. ومع أحداث داخلية تتمثل في تقدم الجيش في بادية كردفان بعد أن استرد مدينة بارا الاستراتيجية التي تفتح الطريق إلى إقليم دارفور آخر معاقل المليشيا المتمردة.

وعلى الرغم من أن مخرجات اجتماع الرباعية الأخير أعادت تدوير مطالب سبق لها أن وضعتها أمام الحكومة السودانية وقيادة التمرد من قبل، مثل وقف إطلاق نار إنساني لمدة حددها هذه المرة بثلاثة أشهر وتوصيل المساعدات الإنسانية وتسليم السلطة للمدنيين مع ابتعاد طرفي الحرب عن المشهد المستقبلي، في وقت أكد فيه على أن التسوية يجب أن تتم عبر المفاوضات بين الطرفين، إلا أنه من الملاحظ هذه المرة الإصرار على المساواة بين الطرفين في ظل وجود حلفاء السودان في الآلية، مثل مصر والسعودية. هذا عوضًا عن أن هذا الموقف، الذي تم عرضه مرارًا وتكرارًا، ظل مرفوضًا من قبل الحكومة السودانية المعترف بها من قبل المؤسسات الدولية والإقليمية. وقد تسبب هذا الموقف من قبل في إفشال جولات تفاوض في جدة وجنيف.

ولم تكتفِ أمريكا بالتأثير على شركائها في الرباعية لتغيير مواقفهم فحسب، خاصة مصر التي يعتبر البعض أنها قد استثمرت كثيرًا في الجيش السوداني للدرجة التي يعتبر معها خبراء الاستراتيجية في مصر أن أمنها مرتبط بوجود الجيش السوداني على سدة الحكم باستمرار -- بل سارعت الخزانة الأمريكية بإلحاق قرارات الرباعية بإصدار عقوبات على وزير المالية وأحد قيادات القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة، جبريل إبراهيم. وكتيبة البراء بن مالك التي تتبع للحركة الإسلامية والناشطة في ميادين القتال إلى جانب الجيش، بعد أن اتهمتها أمريكا بأنها تتعاون مع إيران.

لكن أمريكا تعلم بأن الآلية الرباعية التي تحاول عبرها إبعاد شركائها الأوروبيين من الملف السوداني، رغم أنها كانت قد استعانت بهم من قبل من خلال آلية الترويكا، التي ضمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وفضلت أن تستبدلهم بشركاء إقليميين هذه المرة ربما تأمل في تعاونهم على شواطئ المتوسط - هي في الحقيقة مجرد تحالف سياسي دولي وإن قراراتها ليست لها الإلزامية التي يتمتع بها كل من مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي. ولتسويق هذه المبادرة فلابد من صناعة التفاف شعبي حولها يتزامن مع جهود أخرى لإقناع الاتحاد الأفريقي بتبني تلك المبادرة. ولأجل ذلك سارع تحالف "صمود"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حمدوك، بتأييد المبادرة واعتبرتها قيادات في ذلك التحالف بأنها خطوة تجدد الأمل في وقف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين. كما قابل رئيس التحالف قيادة الاتحاد الأفريقي في أبو ظبي وطالبها باتخاذ موقف داعم لوقف الحرب.

إن أخطر ما في هذه المبادرة الرباعية، إلى جانب مشاركة دولة الإمارات فيها، هو أنها تربط الانتقال بالتفاوض بين الطرفين رغم تأكيدها على إبعادهم عن المشهد المستقبلي أو تأثيرهم عليه. وهذا مستحيل في ظل احتفاظ مليشيا الدعم السريع بقوتها العسكرية وكامل تسليحها، إلى جانب سيطرتها على معظم إقليم دارفور. كما أنها تتجاهل أهم مطالب ثورة ديسمبر، التي يتحدث الجميع استنادًا إلى شرعيتها مع تناسي أنها طالبت بحل مليشيا الجنجويد وذهاب العسكر إلى الثكنات. وبذلك تكون المبادرة الرباعية وعلى أحسن الفروض، حتى وإن نجحت في وقف الحرب الحالية، فإنها تبذر بذور الحرب القادمة. وهي تحيد عن الطريق القويم لتحقيق الاستقرار في السودان المتمثل في تصفية الوجود المسلح خارج الجيش وجمع كل السلاح في مخازنه. لكنه طريق يفضي بالضرورة إلى مراقبة شعبية للقوات المسلحة وتنتج عنه سلطة برأس واحد، فوق أنها مراقبة شعبيًا ولا يمكن عبرها تمرير أجندة معادية لتطلعات الجماهير. وهذا ما لن تسعى إليه المحاور الدولية والإقليمية خاصة أمريكا.