اخر الاخبار

تشير المعلومات المعلنة من البنك المركزي، والمستشار المالي لرئيس الحكومة د. مظهر محمد صالح، إلى سعي الحكومة إلى دمج مصرفي الرافدين والرشيد ضمن خطة لإعادة هيكلة قطاع المصارف الحكومية، وربما تكون جزءًا من هيكلة شمولية للجهاز المصرفي بقطاعيه العام والخاص. ولهذا تم تكليف شركة استشارية دولية (شركة أرنست ويونغ للتدقيق والاستشارات المالية) للإشراف على عملية الهيكلة. وهذه العملية لم تكن بمعزل عن دور البنك المركزي في الإشراف والمتابعة.

وبهذا الصدد، ينهض السؤال المنطقي: هل سيحقق تخصيص وهيكلة مصرف الرافدين الإصلاح المنشود؟ أم أنها مخاطرة وطنية تعرّض هذا المصرف العريق لتهشيم الأسس والأهداف التي أُسس من أجلها؟

إن التوجهات الحكومية نحو خصخصة المنشآت العامة – الناجحة أو الخاسرة – هو توجه بحاجة إلى إعادة نظر ودراسة معمقة، لما قد يترتب عليه من تداعيات على الوضع المالي العام. لأننا ندرك أن مثل هذه التوجهات، بشكل عام وتاريخي، تقف وراءها مؤسسات دولية تمثل أذرعًا لدول أو نظم رأسمالية لها الحصة الكبرى في تلك المؤسسات، وأنها تسعى لتكييف الاقتصادات العالمية لتصبح في نهاية المطاف حلقات ضمن أنظمة تلك الدول.

لقد جرت في أوقات سابقة محاولات لخصخصة هذا القطاع، لكنها انتهت بالفشل، نتيجة لاعتراضات خبراء ماليين عراقيين، فضلًا عن منظمات وطنية واحتجاجات، حين كان بريمر يدير العملية السياسية خلال الاحتلال الأمريكي للعراق. وبالتالي أُحبطت هذه المحاولات.

والسؤال هنا: هل عملية هيكلة المصارف الحكومية – ومن ضمنها مصرف الرافدين – ستكون لصالح المواطن، والذي هو أساس كل رأسمال؟ خاصة وأن المواطن قد أولى ثقته بالحكومة فقط بناءً على تجربته المريرة مع المصارف الخاصة، إذ طالما تعرّضت إيداعاته إلى الضياع، وانتهت بقسمة الغرماء.

إنني أعتقد أن السبب في اتجاه الحكومة لموضوعة الرسملة يعود إلى نظام المحاصصة في إدارة المؤسسات الحكومية، والإتيان بإدارات تفتقر إلى الكفاءة، على قاعدة "وضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب".

المخاطر والتحديات

  1. قد يؤدي نقل الملكية إلى القطاع الخاص إلى فقدان الدولة سيطرتها على القطاع المصرفي. فلماذا إذن وضعت نفسها وارتضت بنسبة أقل من (24%)؟ ولماذا لم ترفع نسبة مساهمتها إلى أكثر من النصف لتؤمّن سيطرتها على إدارة المصرف المعني، وتتابع بنفسها حركة الأموال واتجاهات التعاملات المالية (من تحويلات وقروض وما شابه)، وتمنع حالات التلاعب في أموال الدولة، وهي في حقيقتها أموال المواطنين من مودعين ومقترضين بمختلف أنواع الإيداعات (الجارية أو طويلة الأمد).
  2. هناك مخاوف من تأثير القرارات الاستثمارية على السياسة المالية والسياسة النقدية التي يحددها البنك المركزي. وعلى سبيل المثال: استحقاقات جديدة للرواتب، أو تسليح الجيش في الحالات الاضطرارية، أو مواجهة النكبات البيئية والاعتداءات الخارجية، أو بناء بنية تحتية تستوجب إنفاقًا رأسماليًا كبيرًا، أو تسديد ديون سابقة تُجبر الدولة على دفعها.
  3. المستثمر، بطبيعته، سوف يختار نوع الفائدة ونسبتها، طالما رفع البنك المركزي يده عن تحديد سعر الفائدة، وهو ما ينعكس اقتصاديًا على مستوى الأجور والأسعار ومعدلات التضخم.
  4. من المحتمل أن يكون الموقف من الدولة التي يتم التعامل معها ليس بالمستوى المطلوب، أو أن التعامل معها محظور.
  5. يتمثل التحدي الآخر في اختيار بنوك مراسلة قد تكون عليها مؤشرات سلبية، تضر بالاقتصاد الوطني، أو تتحول إلى مخزن لغسيل الأموال.
  6. القبول بودائع مشبوهة، أو كفالات لشخصيات أو مؤسسات ربحية في الخارج (خطابات ضمان خارجية غير حقيقية أو تفتقر إلى الموثوقية)، قد يتسبب في تعريض المصرف لخسارة أمواله من خلال دفع تلك الكفالات مجبرًا حسب العقد المتفق عليه.
  7. إذا ما تم تحويل المصارف الحكومية إلى الخصخصة، فإن ثقة المواطنين سوف تمتنع عن الإيداع لدى القطاع الخاص، خصوصًا وأن هناك تجارب مريرة مع بعض المصارف الأهلية التي عرّضت المودعين إلى خسائر كبيرة لأموال تمثل عصارة عملهم لسنين طوال. على العكس مما لو تمت الإيداعات في مصارف حكومية مدعومة من الدولة، والتي – في أسوأ الأحوال – تقوم بدفع التعويضات في حال تعرض المصرف الحكومي للإفلاس لأي سبب من الأسباب.
  8. الخصخصة تتعارض مع المادة (29) من قانون الاستثمار لسنة 2006، التي تنص على عدم خصخصة مؤسسات قطاعات استخراج النفط والغاز وقطاع المصارف الحكومية.
  9. إن عملية الخصخصة سوف تؤدي إلى تسريح الكوادر المصرفية الكفوءة وموظفي المصرف وفروعه، بهدف تقليل الكلف والمصروفات ولغرض تحقيق زيادة الأرباح والإيرادات.
  10. لا خلاف مع سياسة التحديث والإصلاح المالي عندما ينصرف إلى القطاع المصرفي الأهلي، لاسيما هذا العدد الكبير من المصارف الأهلية الذي يصل إلى أكثر من (80) مصرفًا، شريطة أن يُبنى دمج هذه المصارف على أسس علمية، وأن تخضع للسياسة النقدية للبنك المركزي، عندما تؤدي مهامها في عملية التنمية المستدامة. كما يجب أن تخضع لرقابة محكمة عبر آليات تقنية حديثة، وأن يكون لديوان الرقابة المالية دور كبير وشامل في عملية الرقابة، بالإضافة إلى رقابة البنك المركزي بطبيعة الحال.

ــــــــــــــــــ

* مصرفية متقاعدة