يفتخر شعبنا العراقي، بمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه، بالمسيرة النضالية الطويلة والدور الكبير والناجح الذي أدّته صحافة الحزب الشيوعي العراقي في حياة العراقيين، وما قدّمته للشعب من نقلٍ للحقيقة وتوعيتهم بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشروعة. لقد عكست واقعهم، وسهرت على حماية مصالحهم، ولهذا استحقت وبجدارة لقب "صحافة الشعب"، وكانت بحق خير من مثّله.
صدرت صحافة الحزب، وأولها جريدة كفاح الشعب، وبدأت تشق طريقها النضالي منذ 31/7/1935 بصورة سرية ودون موافقات حكومية، شأنها شأن الحزب الذي لم يحتج إلى "ترخيص" لنشر أفكاره ومبادئه السياسية بين الناس.
ونحن نحتفل بالعيد التسعين لميلاد الصحافة الشيوعية، لا بد من التوقف عند نجاحها وسر بقائها طيلة هذه الحقبة الغنية بالإبداع والنشاط المستمر الذي لا يعرف الكلل أو الملل. بل على العكس، أبدع محرروها وكتّابها وكوادرها في نقل معاناة الناس وآلامهم، وأحسّوا بالجوع والبؤس والفقر والقمع وانعدام الحريات العامة، وجنّدوا أنفسهم لنشر الوعي بين الجماهير وتحدي السلطات القمعية وأكاذيبها، مطالبين بالحريات، والخبز، والعمل، والتعليم، وسنّ قوانين تُنصف الناس في الحقوق والواجبات، وحماية المرأة ومساواتها، وحقوق الطفل، وحماية الوطن وسيادته وثرواته. هذا هو سر نجاحها وديمومتها.
وفعلًا، وفي فترة وجيزة، استطاعت صحافة الحزب، صحافة الشعب، اختراق أسوار المعامل والمصانع والمدارس والجامعات والدوائر الحكومية وأسوار السلطة وثكنات الجيش والمدن والقرى والأرياف في جميع أنحاء العراق. كانت تتلقفها الأيدي بشغف وفرح لينهلوا من صفحاتها وعيهم ومعرفتهم بحقوقهم، إذ رأى الناس في هذه الجريدة منبرًا يمثّلهم ويدافع عنهم ببسالة ضد الاستغلال والاضطهاد الطبقي.
عنِيت صحافة الحزب، طيلة تسعين عامًا من عمرها المديد، بقضايا العراق وشعبه، وبكشْف ارتباط الحكومات المتعاقبة بالاستعمار وربط اقتصاد البلاد وسيادته وثرواته بالخارج منذ الثلاثينيات وحتى ثورة تموز المجيدة عام 1958. كما اهتمت صحافة الحزب، وعكست على صفحاتها، العديد من الأحداث والصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية والعربية التي اندلعت من أجل تقاسم مناطق النفوذ والثروات بين الدول الاستعمارية الكبرى عبر الحروب، وزعزعة الأمن، وإثارة النعرات والصراعات الداخلية.
لهذا، وقفت جريدة طريق الشعب، ومنذ صدورها الأول، إلى جانب جبهات التحرر الوطني والسلام، وأدانت الحروب العدوانية، وتضامنت بشدة مع شعوب العالم والمنطقة العربية، وأيّدت نضالها التحرري، ودافعت عن مطالبها العادلة وحقوقها المشروعة. وبهذا، استحقّت تكريم الأحزاب الشيوعية والحركات والمنظمات الوطنية في العالم أجمع وشعوبها.
وخير مثال على ذلك، هو الموقف المشرّف لحزبنا الشيوعي ورفاقه وجريدته المعطاء طريق الشعب من القضية الفلسطينية، وما يجري من إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة والمناطق الأخرى على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى اعتداءاتها على لبنان وسوريا وإيران، والدعم الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في نيل كافة حقوقه السياسية المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود عام 1967.
تحية حب وتقدير لمدرسة الصحافة الوطنية العراقية، ولأصحاب الأقلام الحرة والكلمة الموثوقة، منيري الطريق لنا ولشعبنا العراقي.
تحية لجميع الرفاق من الكتّاب والصحفيين، روّاد الطريق، الذين غيّبهم الموت عنّا، ونستذكر منهم الشهداء الأبرار.
عاشت الذكرى التسعون لميلاد الصحافة الشيوعية العراقية، وإلى مزيدٍ من النجاحات والإبداع.