اخر الاخبار

كثيرا ما يهاتفنا التاريخ المحمل بأحداث ربما تكون ثقيلة الذاكرة ولاسيما ذاكرة العراق المعاصر بالعموم والحزب الشيوعي على وجه الخصوص وهو يقترب من التسعين عاما بين صحافته وتأسيسه الرسمية التي تسجل في 31 آذار 1934 في حين ان الأدبيات الماركسية والمثقفين الأوائل وإن لم يسجلوا رسميا انتماءهم للشيوعية كحسين الرحال وعاصم فليج وعبدالله جدوع ومصطفى علي، وغيرهم ممن اعتنقوا تلك المبادئ بعقد سبق تأسيس الحزب الشيوعي العراقي وما يستدل على ذلك ما تركوه من إرث وأرشيف لازالت المكتبات تحتفظ بشيء منه رغم مرور قرن على جريدة "الصحيفة" التي يعود تاريخها إلى عام ،1924 في حين أن الشيوعيين يختلفون في ذلك فلهم تاريخهم الرسمي على اعتبار أن صحيفة "كفاح الشعب" التي حملت تاريخ 31 تموز 1935 في عددها الأول وهي لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بخط أقرب ما يكون مطرزا بخط عمالي بسيط بحجم (24,5سم في 35 سم)وبثماني صفحات يعلوها شعار (المطرقة والمنجل)ومعهما نجمة خماسية هي النجمة البلشفية المعروفة بـ "النجمة الحمراء" وتحمل الصحيفة على عاتقها بأنها "لسان حال العمال والفلاحين"، في حين أن جريدة "الصحيفة" أصدرتها الطبقة المثقفة وفق معطيات مرحلتها التاريخية وإن حملت بين ثناياها بعض المطالبات التي تدعو إلى الحرية والمساواة وربما أحدثت خلخلة في روتين الحياة اليومية في بغداد ولكنها لم تستطع أن تقتحم أهم معقلين شعبيين هما طبقتا "العمال والفلاحين" باعتبارهما طبقتي الغالبية المهمشة التي وهبت غالبية وقتها لتلك الفئتين، وبدأت تتسرب إلى الحياة الاجتماعية اليومية للعراقيين لتخرج الصحيفة مسرعة من الذاكرة اليومية لأنه لم يكن  لدى كتابها برنامج محدد ولم يهاجم كتابها التقاليد البالية بكل حقولها، بل أنهم ركزوا على حرية المرأة وتحريرها، ومن جانب آخر لم يتمكنوا من مقاومة تيار حكومي معاد لتلك التحركات.

   إن الاستذكار ليوم الصحافة الشيوعية وبصحيفة "كفاح الشعب" يدفعنا إلى القول إنها الصحيفة التي تمكنت من جمع أقلام الماركسيين والشيوعيين المدافعين عن آرائهم وأفكارهم في الصحف العراقية التي وفرت حرية نسبية لنشر مقالاتهم كصحيفة "الأهالي"،  من جهة أخرى جمعت الصحيفة ما تعذر على الآخرين فعله وهي أنها أصبحت لسان حال الألوية (المحافظات)الأخرى التي بدأت مظالم أهاليها تنقل عبر الصحافة من خلال ممثلين الحزب المنتشرين في تلك الألوية ووفرت لهم ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت أطنابها دولا عدة ومنها العراق فزادت الفقر فقرا لطبقاته الكادحة مما دفع من خلال الأخبار المتداولة عن تلك الصحيفة الكثير من المثقفين الأكثر استعدادا لتقبل الافكار اليسارية والشيوعية بعد حالة التردد والتشتت التي كان يعاني منها البعض من هؤلاء المثقفين.

   في الحقيقة التي لا يجب نسيانها أن عاصم فليح سكرتير أول لجنة مركزية للحزب الشيوعي العراقي كان منهمكاً هو الآخر في التحضير لنشر أول صحيفة عراقية سرية تحت مسمى "كفاح الشعب" وشعر أنه لن تكون هناك أداة أكثر فاعلية في لم شمل الخلايا الشيوعية المختلفة والمبعثرة وجمعها في حزب واحد.

  وما ذهب اليه عاصم فليح في تفكيره تحقق سريعا بعد أن بدأت صحيفة " كفاح الشعب" تحاكي واقع العراق ومنها الانتفاضات العشائرية في عهد وزارة ياسين الهاشمي الأولى بالقول: "أن الناس فشلوا في جني ثمار انتفاضات الفرات لسبب هام جداً ألا وهو عدم وجود حزب طبقي ثوري على أرض المعركة السياسية ولقد ظهر الحزب الآن".

 وفي عدد لاحق طرحت "كفاح الشعب" بدقة أكبر أهداف الحزب وشملت الأهداف المعلنة ومنها "طرد المستعمرين" و"توزيع الأراضي على الفلاحين" و"تركيز السلطة في أيدي العمال والفلاحين" و"إطلاق الثورة الاجتماعية بلا تأخير"، كل ما تقدم لم يألفه المجتمع الكادح بأن هناك حزبا فتيا يدافع عنهم ويرفع شعارات تطالب بحقوقهم المشروعة.

   إن الشعارات التي وصفت بـ "المتطرفة" من قبل الحكومة التي أطلقت العنان للشرطة لمطاردة الشيوعيين، ولم يثن ذلك الشيوعيين فوصف تقرير "لكفاح الشعب" في عددها الثاني الصادر في آب 1935 بأن الشيوعيين بدلا من التقدم بحذر كان بعضهم ميالاً إلى الذهاب إلى المقاهي حيث كانت أصواتهم ترن علناً وأمام أناس غرباء تماماً عنهم". وبلغ مجموع ما أصدرته "كفاح الشعب" من أعداد من تموز وحتى توقفها في كانون الأول حسب تقرير للشرطة (500) نسخة وهو عدد ربما يدعونا للتوقف في ظل طبقة متعلمة لا تتجاوز (10بالمائة).

   بل وحتى وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني في حكومة ياسين الهاشمي الثانية معلقاً على صحيفة "كفاح الشعب" التي وجدها على مكتبه مقدمة له من قبل الشرطة السرية والتي تزامنت مع انتفاضة سوق الشيوخ بالقول "هذه الورقة أشد خطراً من ثورة سوق الشيوخ فإذا ما ثبتت أفكارها سيستحيل علينا قلعها"، وبالفعل ما ان اغلقت "كفاح الشعب" واعتقال أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي سرعان ما أعاد الحزب ترميم صفوفه وليصدر صحيفته الجديدة "الشرارة" لتواصل ما بدأت به الصحيفة الأولى.