مارك سافايا والعلاقة العراقية ـ الأمريكية
لِموقع المعهد الأوروبي لدراسات الشرق الأوسط، كتبت مريام بينريد مقالًا اعتبرت فيه تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى العراق حدثٌ مؤثر للغاية، لأنه يعكس سعيَ واشنطن إلى تعزيز العلاقة مع بغداد، في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط سلسلةً غير مسبوقة من الاضطرابات.
أهداف سافايا
ورأت الكاتبة أن هذا التعيين يهدف رسميًا إلى تسهيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعزيز استقرار العراق، ودعم إعادة إعماره سياسيًا واقتصاديًا، لكنه في الحقيقة يسعى إلى مواجهة طموحات القوى الحليفة لإيران والفصائل المسلحة خارج نطاق المؤسسة الأمنية. ورغم جذور سافايا العراقية وعلاقاته الشخصية بالمنطقة، رأت الكاتبة أن ذلك غير كافٍ لسدّ الفجوة التي لا تزال تفصل واشنطن عن بغداد بعد عقود من المواجهة العسكرية والعقوبات واحتلالٍ طويل الأمد لا يزال العراق يكافح للتعافي منه، متسائلة عمّا إذا كان تعيين مارك سافايا يعكس رغبةً حقيقيةً في مساعدة العراق على استعادة سيادته، أم أنه يمثل محاولةً لفرض التبعية من جديد، لاسيما وهو يتزامن مع إعادة بناء العلاقة بين البلدين في بيئة جيوسياسية مضطربة.
إعادة بناء علاقة في منطقة مُتحوّلة
وتناولت الكاتبة السيرة الشخصية والسياسية لسافايا، مشيرةً إلى أنه رجل أعمال مؤثر في ميشيغان وناشط بين الجالية الشرق أوسطية، ومعروف بأنه أحد أكثر مؤيدي ترامب حماسة، إذ حشد جزءًا كبيرًا من أصوات المسلمين لصالحه خلال حملة انتخابات عام 2024. ثم تساءلت عن معنى اختياره لهذا الدور وما يمكن أن يُنتظر منه.
وفي محاولةٍ للإجابة، توقعت الكاتبة أن يحكم الرجلَ منطقان، المنطق "الترامبي" الذي يركز على توحيد القوات الأمنية العراقية تحت قيادة واحدة، ودعم التقارب بين السلطات الفيدرالية وإقليم كردستان، وإشراك بغداد في تنفيذ المبادئ الأساسية للاستراتيجية الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط الذي يمرّ بتحولات سريعة، والمنطق "المعاملاتي" الذي يطبقه ترامب على نطاق واسع في الشرق الأوسط، والمتميز بدبلوماسية براغماتية مدعومة بالصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الثنائية المصممة لحماية المصالح الأمنية الأمريكية، وتحقيق مكاسب استراتيجية قصيرة الأجل، وحماية استقرار سطحي بدلًا من حلّ النزاعات السياسية الدائمة.
وإلى جانب التحالفات طويلة الأمد مع ممالك الخليج والموقف الأكثر تشددًا تجاه إيران، تسعى واشنطن – وفق المقال – إلى تعزيز الشراكات "المربحة" مع دول أخرى في المنطقة مثل العراق، والتحول إلى علاقات دبلوماسية طبيعية تُتيح لها تنظيم انسحاب نسبي من مناطق الصراع المطوّل التي كان العراق مركزها لوقت طويل.
ورغم أن ترامب لا يُبدي اهتمامًا جوهريًا بالعراق، الذي تورطت الولايات المتحدة عسكريًا فيه، فإنه ينظر إليه أساسًا من خلال ثروته النفطية الهائلة وموقعه الاستراتيجي في التنافس الإقليمي مع إيران. ولهذا تهدف الولايات المتحدة إلى إعادة التركيز تكتيكيًا على الملفات الاقتصادية وملفات الطاقة في العراق الذي عليه أن ينأى بوضوح عن النفوذ الإيراني.
رجل أعمال ومبعوث
وذكرت الكاتبة أن صورة سافايا كرجل أعمال تتماشى مع الصفقات التي يسعى ترامب لإبرامها في المنطقة، ومع تصميمه على إعادة بناء نفوذه الذي قوّضته سابقًا أفعاله العشوائية، والتي لا يزال المستنقع العراقي رمزًا مأساويًا لها، إضافة الى سعيه إلى الاستفادة من الوجود العسكري الأمريكي المحدود والمرن كرافعة في المفاوضات الإقليمية الجارية، والتي سيكون مارك سافايا مهندسها الرئيسي في العراق، ولاسيما في مجال تشجيع كبار المستثمرين الأمريكيين على الانخراط بجدية في تطوير البنية التحتية وقطاع الطاقة والنظام المصرفي، بما يسهم في تجديد دبلوماسي للعلاقات يعزّز الاستقرار الإقليمي.
ترحيب وإشادات
وذكر المقال أنه، وعلى المستوى الجيوسياسي، رحبت بعض النخب بقدوم سافايا، وهو ترحيب تزامن مع تغيّر موازين القوى بين واشنطن وطهران، ومع اعتراف بعض هؤلاء المرحِّبين بوجود وضع غير طبيعي في العراق، وتعليقهم آمالًا مختلفة على البيت الأبيض ومبعوثه في إعادة التوازن السياسي الداخلي. كما أشارت الكاتبة إلى أن التعيين لاقى استحسانًا سعوديًا يتناسب مع دور الرياض بوصفها "ضامنًا" لسيادة العراق واستقراره، وبما ينسجم بوضوح مع المصالح الأمريكية كما عبّر عنها ترامب ومبعوثه سافايا.
واستدركت الكاتبة بالقول إن الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط متقلّبة وغير مؤكدة، وليس مضمونًا أن يتمكن سافايا وشركاؤه من تجاوز المشكلات، خصوصًا بعد أن أبدت القوى الحليفة لطهران الريبة والشك تجاه وصوله وطموحاته المعلنة، معتبرةً إياه مجرد "عميل" للتدخل الأمريكي المتعارض مع مصالحها واستراتيجيتها في العراق. إضافةً إلى ذلك، يتوقع مراقبون أن تُعقّد شخصية سافايا "العدوانية" – بوصفه "دبلوماسيًا مزيفًا" – وتورطه المثير للجدل في صناعة القنب الأمريكية، وتكتيكاته التسويقية المبهرة، مهمته في بلدٍ لا تزال فيه الحساسيات ملحّة.