اخر الاخبار

تعيش الأسرة العراقية اليوم واحدة من أكثر الظروف تعقيداً، جراء ارتفاع غير مسبوق في نسب الطلاق، وزيادة ملحوظة في حالات الزواج المبكر، خصوصا زواج القاصرات. وفي الوقت الذي كان البعض يدعّي فيه بأن مدونة الأحوال الشخصية ستشكل إطاراً يحمي الأسرة ويحّد من التفكك، تشير الأرقام والشهادات إلى أن المدونة - بصيغتها الحالية وتطبيقاتها العملية - لم تتمكن من تقليص المشكلة والحد من تفاقمها، بل ساهمت، وفق مراقبين، في ترسيخ ممارسات تزيد من هشاشة العلاقة الزوجية، خصوصا عند الفتيات القاصرات 

النساء هنّ الضحايا

ففي هذا السياق تتحدث المواطنة مريم عماد لـ "طريق الشعب" فتقول "تم تزويجي وأنا في الرابعة عشرة. قالوا إن عقد رجل الدين يكفي ولا حاجة للمحكمة. بعد أشهر قليلة تصاعدت الخلافات، وطلقني زوجي شفهيا. وعندما لجأت إلى القضاء، أخبروني أنني لا أستطيع المطالبة بالنفقة لأن الزواج غير موثق. عدت إلى بيت أهلي خالية اليدين، وبدون حقوق".

حالة المواطنة مريم واحدة من مئات الحالات، التي تشير إلى أن زواج القاصرات ما يزال يُعقد في كثير من الأحيان خارج المحكمة، ما يضع الفتاة في وضع قانوني هشّ يجعل الطلاق أقرب إلى "فصل اجتماعي" منه إلى عملية قانونية متكاملة تضمن الحقوق.

تصاعد في نسب الطلاق

وتكشف البيانات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى خلال السنوات الأخيرة، عن عدم تراجع حالات الطلاق رغم دخول مدونة الأحوال الشخصية حيز التنفيذ، بل ارتفاعها بنسب واضحة، حيث سجلت المحاكم أكثر من 4,000 حالة طلاق لفتيات دون 15 عاما خلال عامي 2020 و2021، بواقع 1,498 حالة عام 2020، و2,594 حالة عام 2021. كما بلغت حالات الطلاق المسجلة بين عامي 2021 و2024، أكثر من 350 ألف حالة على مستوى البلاد. وفي عام 2023 وحده، وثقت المحاكم 140 ألف حالة طلاق من أصل نحو 298 ألف عقد زواج. وفي النصف الأول من 2025 فقط، سُجلت أكثر من 34 ألف حالة طلاق في العراق.

وتُظهر هذه الأرقام بوضوح ارتفاع نسب الطلاق رغم استمرار العمل بمدونة الأحوال الشخصية، التي كان يتوقع أن تحد من النزاعات الأسرية، لكنها لم تنجح بذلك، خصوصا في ظل استثناءات تسمح بزواج من هم دون 18 عاما.

تسهيل زواج القاصرات

تنص بعض مواد مدونة الأحوال الشخصية على السماح بزواج من تقل اعمارهم عن 18 عاما "إذا تحقق البلوغ والقابلية البدنية" وبموافقة القاضي. غير أن هذه العبارة وفق المحامي جعفر طالب "تعد من أكثر النصوص فضفاضة في القانون، وتستخدم كمدخل لشرعنة زواج القاصرات تحت بند الاستثناء".

ويضيف المحامي في حديث لـ "طريق الشعب" أن "انتشار الزواج الديني أو العرفي خارج المحاكم، الذي يبرم دون وثائق رسمية، يزيد من هشاشة وضع الزوجة ويضعها في دائرة العنف والطلاق دون حماية. فكثير من حالات الطلاق لا تسجل لعدم وجود عقد زواج أصلا، ما يجعل القاصرات خارج الإحصاءات الرسمية لحقوق النفقة". 

لا حماية.. لا حقوق

بدورها تفيد المحامية بان الطائي المختصة بقضايا الأسرة أن "المشكلة ليست في الزواج المبكر فقط، بل في الزواج غير الموثق الذي يُعقد خارج المحكمة. القاصرة عندما تطلق لا تجد أي ورقة تثبت زواجها. وبالتالي لا نفقة، ولا حضانة، ولا حتى إثبات لزواجها السابق. وهذا يخلق كارثة إنسانية". وتضيف أن ثغرات المدونة تسمح بزواج القاصرات تحت عنوان الاستثناء. لكن ما يحدث فعليا هو أن هذه الزيجات تنتهي سريعا، وتتحول الفتاة إلى مطلقة في عمر الطفولة. لذلك نطالب بإلغاء استثناءات الزواج تحت 18، وجعل التسجيل المدني إلزاميا قبل أي إجراء ديني". إن تصريح المحامية الطائي يعزز ما تشير إليه الإحصائيات: الزواج المبكر هو عامل رئيسي في ارتفاع الطلاق.

الترابط بين الزواج المبكر والطلاق المبكر

تشير دراسات اجتماعية إلى أن زواج القاصرات غالبا ما يبدأ بعوامل اقتصادية واجتماعية، مثل الفقر، ضغوط العائلة، أو الأعراف المحلية، لكنه ينتهي بسرعة بسبب ضعف النضج، وعدم التكافؤ بين الزوجين، وارتفاع معدلات العنف المنزلي. وبحسب الناشطة هند آل هذال فإن "ثلث حالات الطلاق المبكر تقريبا ترتبط بزواج قاصرات، وهو ما يجعل الظاهرة قضية اجتماعية وقانونية في آن واحد".

وأخيرا، يؤكد هذا التقرير على أن ارتفاع نسب الطلاق في العراق ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل نتيجة مباشرة لثغرات قانونية في مدونة الأحوال الشخصية التي اضعفت دور القضاء، وللممارسات المرتبطة بزواج القاصرات والزواج غير الموثّق. كما تُظهر شهادات نساء خرجن من الزواج بلا حماية، وأرقام رسمية عن زيادة الطلاق، الحاجة الملحة لإصلاح شامل للقوانين، يضمن حماية القاصر، ويوحّد إجراءات الزواج والطلاق تحت مظلة القضاء المدني.