اخر الاخبار

في خضمّ أزمة سكن عميقة يواجهها العراق، اعترفت وزارة الإعمار والإسكان بأن المجمّعات السكنية المُكتملة وقيد التنفيذ لا يمكنها تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكن، مبينة أن هناك 66 مجمعا يجري تنفيذه في بغداد ومحافظات أخرى، لا توفر سوى 18 ألف وحدة سكنية، مقابل حاجة تتجاوز 3 ملايين وحدة – وفق ما أفاد به المتحدث باسم الوزارة نبيل الصفار في لقاء متلفز قبل أيام. 

ويعكس اعتراف الوزارة هذا حجم الفجوة السكنية واتّساعها في ظلّ ارتفاع غير مسبوق في أسعار العقارات، وتباطؤ مشاريع التطوير، وغياب الخطط الجادة، وعجز كثير من الأسر عن امتلاك مسكن لائق.

ورغم إعلان الحكومة خططاً لإنشاء مدن سكنية جديدة تمتد حتّى عام 2030، يرى اختصاصيون أن المحافظات تواجه ضغوط الغلاء والركود والمضاربة الواسعة على الأراضي، ما يجعل أزمة السكن ملفاً مركباً يتجاوز حدود الإنشاءات إلى سياسات إسكان غائبة وتخطيط حضري متعثر وحاجات اجتماعية متراكمة.

ونفذت الحكومة خلال السنوات الأخيرة مجمعات سكنية عديدة في بغداد وعدد من المحافظات. غير إن الوحدات السكنية فيها تُطرح بأسعار باهظة جدا، لا تناسب الفقير ولا حتى ذا الدخل المحدود، وهما من يُعاني أزمة السكن فعليا. وفي المقابل لا يتأثر الأثرياء بهذه الأزمة بطبيعة الحال. إذ يمتلكون عقارات مسبقا، ومع ذلك يُقبلون على شراء الشقق في تلك المجمعات، والتي وصل سعر الواحدة منها في بعض الأحيان، إلى 375 ألف دولار!

ويشير الصفّار إلى أن أزمة السكن في البلاد باتت معقّدة ومتشعّبة، لافتا إلى ان وزارته أكملت 21 تصميماً أساسياً إسكانيا في المحافظات، ستوفر ما يقارب 650 ألف وحدة سكنية حتّى عام 2030، إلى جانب المدن الجديدة الخاصة بمنتسبي وزارة الدفاع، والتي بلغ عددها من 6 إلى 7 مدن اكتملت عقودها، لتؤمّن حوالى 10 آلاف وحدة إضافية.

ويضيف قوله أن الهيئة الوطنية للاستثمار تعمل هي الأخرى على مشاريع سكنية توفر نحو 7 آلاف وحدة سكنية 

فجوة بين التخطيط والاحتياج الفعلي

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن أنّ الاعتراف بعدم قدرة المجمعات السكنية التقليدية على معالجة أزمة السكن يمثل مؤشراً واضحاً على اتساع الفجوة السكنية في العراق، مبينا في حديث صحفي أن "الحاجة الفعلية اليوم تتجاوز 3 ملايين وحدة سكنية، بينما لا تنتج مشاريع الوزارة سوى 18,500 وحدة من أصل 66 مجمعاً قيد التنفيذ، وهو ما يعادل أقل من 1 في المائة من حجم الطلب الحقيقي، ويعكس فجوة كبيرة بين التخطيط والاحتياج الفعلي".

ويشير حسن إلى ان "العراق يسجل نمواً سكانياً يتراوح بين 850 ألفاً إلى مليون نسمة سنوياً، ما يعني دخول أكثر من 150 ألف أسرة جديدة إلى السوق كل عام. وهو رقم يفوق قدرة الدولة على توفير وحدات سكنية ملبّية للطلب"، مضيفا القول أن "تفاقم المناطق العشوائية بات عاملاً مركزياً في تعميق الأزمة. إذ يُقدّر عدد التجمعات غير النظامية بأكثر من 4 آلاف موقع على مستوى البلاد، تضم مئات الآلاف من العائلات وتفتقر إلى الخدمات الأساسية والبنى التحتية".

ويتابع قوله أن "توسع هذه المناطق يخلق ضغوطاً إضافية على شبكات الكهرباء والمياه والطرق، ويزيد من كلفة إعادة التنظيم الحضري، ويعكس فشل السياسات الحكومية في توفير أراضٍ مخدومة وخيارات سكن ميسّرة للفئات محدودة الدخل".

وينوّه إلى ان "المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين ما زالت تكافح لإعادة إعمار آلاف المنازل المدمرة، ما يزيد الطلب على السكن ويخلق ضغطاً مضاعفاً على الخدمات والبنى التحتية"، مؤكدا أن "هذه الأزمة مرتبطة بغياب سياسة إسكان شاملة، وارتفاع تكاليف مواد البناء بنحو 30–40 في المائة خلال العامين الأخيرين، وضعف دور القطاع الخاص".

ويرى حسن أن الحلّ يتطلب إصلاحات جذرية تشمل تفعيل سياسة الأراضي وتنظيم العشوائيات وتطويرها، وتوفير وحدات سكنية بأسعار ميسّرة تراعي تفاوت الدخل بين المحافظات، وصولاً إلى رؤية إسكانية شاملة تعالج جذور المشكلة بدلاً من الاكتفاء بالمعالجات الجزئية.

ركود سوق العقارات

في سياق ذي صلة، يقول المتخصّص في سوق العقارات، خالد العزاوي، أن أزمة السكن في البلاد لم تعد مرتبطة فقط بارتفاع الأسعار أو ضعف المعروض، لافتا إلى تعرض سوق العقارات إلى حالة ركود واضحة، تتمثل في تراجع حجم البيع والشراء بنسبة تتراوح بين 25 و35 في المائة.

ويبيّن في حديث صحفي أن أسعار الأراضي والمنازل ارتفعت إلى مستويات غير واقعية وصلت في بعض المناطق إلى زيادة تتجاوز 60 في المائة، ما خلق فجوة بين القدرة الشرائية للمواطن والقيمة السوقية للعقار، وبالتالي أدى إلى تجميد التداول وإحجام الأسر عن الشراء.

ويوضح العزاوي أن "الركود الحالي ليس مؤشراً على انخفاض الأسعار، بل نتيجة طبيعية لانعدام التوازن بين العرض والطلب. إذ لا يزال الطلب الحقيقي على السكن يتجاوز 3 ملايين وحدة، بينما تواصل الأراضي والعقارات التحول إلى أداة للمضاربة بدلاً من التطوير العمراني".

ويضيف قائلا أن "العديد من المستثمرين يفضلون الاحتفاظ بالأراضي ورفع أسعارها بدل الدخول في مشاريع بناء فعلية، خصوصاً في بغداد والنجف وأربيل، حيث تُباع القطعة بأضعاف قيمتها الحقيقية دون أن تُطوّر"، مشيرا إلى أن هناك محافظات تعاني ركودا مضاعفا بسبب نقص الخدمات وغياب التخطيط العمراني، ما يجعل التطوير فيها مكلفاً وغير مجدٍ للمستثمرين.

ويشدد العزاوي على ضرورة تبنّي سياسة عقارية وطنية تتضمن توفير أراضٍ مخدومة، وإطلاق مدن سكنية مهيأة للبناء، وفرض ضرائب على الأراضي المحتجزة "لأنّ الركود الحالي إذا استمر سيحوّل أزمة السكن إلى أزمة اقتصادية واجتماعية أعمق، ويُبقي الأسعار في مسار تصاعدي منفصل عن دخل المواطن".