يواجه الأطفال في العراق واقعاً مأساوياً، حيث يُجبر آلاف الصغار على العمل لساعات طويلة لتأمين لقمة العيش، بينما يفترض أن يكونوا في المدارس.
ويتعرض هؤلاء الأطفال بين الأسواق الشعبية والأحياء الصناعية، للاستغلال والعنف، ما يترك آثارا نفسية وجسدية عميقة، ويهدد مستقبلهم وحياة المجتمع ككل.
قانون يجرم وتنفيذ غائب
تقول الناشطة النسوية مرح إياد ان "الطفولة في العراق تواجه أزمة غير مسبوقة، حيث يعمل آلاف الأطفال لتأمين لقمة العيش، بينما يفترض ان يكونوا في المدارس. بعضهم يبدأ يومه قبل شروق الشمس، يحمل الأكياس ويقف في الأسواق الشعبية لساعات طويلة، وسط برد قارس أو حرّ شديد، مقابل أجر زهيد. هذه ليست مجرد أرقام، بل قصص حقيقية لطفولة ضائعة".
وتضيف اياد لـ "طريق الشعب"، ان "الأطفال الذين يعملون يفتقدون التعلم الأساسي، وكثير منهم لا يعرفون القراءة أو الحساب. هناك أطفال مضطرون لمساعدة أسرهم بسبب البطالة أو إعاقات أحد الوالدين، بينما الأطفال ذوو الإعاقة يعانون أكثر، إذ لا توجد مدارس أو مراكز تأهيل كافية لهم".
وتضيف اياد ان "عدد الأطفال خارج المدارس يتزايد يومي بسبب الفقر أو التسرب المبكر. هؤلاء الأطفال يعملون لساعات طويلة في جمع الخردوات، البسطات، وحتى في الأعمال الصناعية، ويتعرضون للتنمر والعنف وهو ما يترك أثرا نفسيا وجسديا لديهم".
وتتابع القول انه "برغم توقيع العراق على اتفاقية حقوق الطفل الدولية عام 1994، التي تحظر استغلال الأطفال اقتصاديا، وتحمي نموهم البدني والعقلي والاجتماعي، إلا أن غياب الاستراتيجيات الواضحة والتأخر في جمع الإحصاءات الرسمية يعكس تقاعس الحكومة عن حماية هؤلاء الأطفال".
وتطالب اياد بـ"تفعيل وتشريع القوانين الداعمة، وفتح برامج تأهيلية ومشاريع مدرة للدخل للأسر، وضمان التعليم الإلزامي، وتوفير خدمات صحية واجتماعية للأطفال، خاصة الفئات الأكثر هشاشة".
وتشير الى أن "المجتمع المدني والمواطنين يتحملون جزءا من هذه المسؤولية؛ فالإبلاغ عن حالات استغلال الأطفال والمراقبة المجتمعية يمكن أن تنقذ حياة آلاف الأطفال"، مشددة بالقول على ان "الطفولة ليست امتيازا، بل حق أساسي لكل طفل. ويجب أن نعمل جميعا لضمان أن يعيشوا طفولتهم بكرامة وأمان، وان يتعلموا وينموا بعيدا عن العنف والاستغلال".
ضرورة تفعيل برامج تأهيلية
من جهتها، تؤكد المحامية نورس شاكر، ان "القوانين العراقية المتعلقة بحماية الأطفال تتضمن أساسا جيدا، إذ تنص على معاقبة كل من يشغل الأطفال، سواء بالغرامة المالية أو بإيقاف نشاط صاحب العمل. كما ينص قانون الاتجار بالبشر على معاقبة من يستغل الأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية. هذه النصوص تعتبر خطوة مهمة لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي وسوء المعاملة".
وتقول شاكر لـ"طريق الشعب"، ان هناك "ثغرات كبيرة في التطبيق والتنفيذ. فغالبا ما لا تجري مراقبة الأسواق الشعبية أو الأحياء الصناعية بشكل كاف، بينما يستمر بعض الأطفال في العمل لساعات طويلة، من دون أي حماية قانونية. كما أن العقوبات المقررة لا تطبق بشكل حاسم، وغالبًا ما تقتصر على فرض غرامات بسيطة لا تردع المخالفين".
وتؤشر شاكر غيابا في البرامج التأهيلية للأطفال العاملين، وإعادة دمجهم في المدارس. هذه الثغرات تجعل الكثير منهم عرضة للخطر، رغم وجود قوانين واضحة تحميهم.
وتأمل ان يعمل البرلمان على إقرار قانون شامل لحماية الطفل، لردع جميع أشكال العنف والاستغلال، بالإضافة إلى تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، لضمان حماية الأطفال داخل الأسرة وخارجها. فغياب هذه القوانين يترك الأطفال دون حماية كافية، بينما يعزز وجودها قدرات الجهات الرقابية على التدخل المبكر وحماية الأطفال من المخاطر اليومية.
وتدعو الناشطة المدنية الجهات الحكومية المعنية الى "تعزيز وتفعيل آليات الرقابة، وفتح خطوط حماية فعالة للأطفال، وضمان التنسيق بين الوزارات المختلفة لتطبيق القوانين بشكل صارم. كما يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بحقوق الطفل، إذ لا يمكن للقانون وحده أن يحمي الأطفال، إذا لم يكن هناك وعي عام ومسؤولية مجتمعية".
تحذير من مستقبل مظلم
وتقول إلهام قدوري، ناشطة ومديرة منظمة مجتمع مدني، إن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرّ بها البلد منذ عام 2003، كان لها أثر بالغ على فئات المجتمع كافة، وخصوصاً على الأطفال.
وتضيف قدوري لـ"طريق الشعب"، أن العائلات العراقية تواجه تحديات متفاقمة تشمل البطالة، وارتفاع معدلات الجهل، وكثرة الأمراض، إلى جانب غياب البنى التحتية والخدمات الأساسية، ما يجعل من الصعب توفير بيئة صحية ومستقرة للأطفال.
وتشير الى أن هذه الظروف أدت إلى انتشار ظواهر خطرة، منها التسول، والانخراط في عصابات إرهابية منظمة، والتسرب من المدارس، إضافة إلى تفشي تعاطي المخدرات، نتيجة لغياب سيادة القانون.
وتشير قدوري إلى أن هذه العوامل تخلق جيلاً غير قادر على العيش بشكل سليم، وقد يتحول بسهولة إلى أداة للانحراف أو فريسة سهلة للتجنيد من قبل المنظمات الإرهابية، وهو ما يشكل تهديداً ليس للأطفال وحدهم، بل للمجتمع بأسره ومستقبله.
وتجد أن الأطفال بحاجة إلى حماية شاملة تتجاوز النصوص القانونية لتشمل رعاية نفسية واجتماعية وتعليمية وصحية. مشددة على أهمية دور الأسرة في متابعة الأطفال، ووضع قوانين صارمة تحميهم من العنف بكل أشكاله.
كما تؤكد ضرورة توفير التعليم المجاني والإلزامي لضمان نشأة جيل واعٍ ومثقف، إلى جانب الاهتمام بالصحة العامة، وتوفير العلاج المجاني، وإنشاء مراكز تعليمية وترفيهية، ونشر ثقافة السلام والتسامح والمحبة بين الأطفال.
وتختتم قدوري حديثها بالتحذير من استمرار الوضع على ما هو عليه، محذرة من "مستقبل مظلم" للأطفال خاصة مع إقرار قانون الأحوال بشكله الجديد، إذا لم تتدخل الدولة والمجتمع بفاعلية لتوفير بيئة آمنة وصحية ونوعية وحياة أفضل لأجيال العراق القادمة.