اخر الاخبار

على مدى أكثر من مائة عام شكّل رمّان شهربان نموذجا مميزا لهذا المحصول، ليس على مستوى العراق وحسب، بل في دول المنطقة، ما جعله عنوانا للجودة. لكن الاضطرابات الأمنية التي حصلت عام 2014 إثر اجتياح تنظيم داعش الإرهابي مناطق واسعة من قضاء المقدادية (شهربان)، وما تبع ذلك من موجات نزوح، فضلا عن تداعيات تغيير المناخ التي اشتدت خلال السنوات الأخيرة، والحرائق التي طالت عشرات البساتين في ديالى، كل تلك العوامل ساهمت في تراجع شهرة هذا المحصول بعد أن تناقص إنتاجه بشكل كبير.

ويُعرف قضاء شهربان بأنه ثاني أكبر مدن ديالى، بعد بعقوبة، ويشتهر ببساتينه الكثيفة الواسعة التي كانت نتج كميات كبيرة من فاكهة الصيف والشتاء ذات الجودة العالية. ومن أبرز تلك البساتين ما يُعرف بـ"المزرعة الحمراء". وهي مجموعة بساتين متلاصقة تمتد على أكثر من 6 آلاف دونم، تُعد أكبر مزرعة رمان في الشرق الأوسط، وكانت تنتج سنويا آلاف الأطنان من هذه الفاكهة، ما يُغطي الجزء الأكبر من حاجة السوق، ويتم أيضا تصدير كميات منه إلى دول الجوار.   

هلاك 95 في المائة من مزارع الرمان!

في حديث صحفي، يذكر رئيس لجنة الزراعة في مجلس ديالى رعد التميمي، أن "رمان شهربان كان يتسيّد الأسواق العراقية لأكثر من 100 عام بفضل جودته ومذاقه الفريد، لكن أحداث 2014 وما تبعها من جفاف وهجرة المزارعين تسببت في هلاك ما نسبته 95 في المائة من تلك البساتين، لتفقد آلاف العائلات مصدرًا اقتصاديًا مهمًا كان ينعش اقتصاد المنطقة".

ويضيف قوله انه "رغم تحرير المناطق وعودة غالبية العائلات إليها، إلا أن ضعف الإمكانيات حال دون إحياء البساتين. إذ لم يُعَد استصلاح سوى 20 إلى 30 في المائة من الأراضي، فيما تبقى المساحات الأكبر بحاجة إلى دعم حكومي عبر قروض بدون فوائد لإعادة إنعاش أكبر مزرعة للرمان في الشرق الأوسط". 

رمان شهربان قطاع اقتصادي

من جهته، يرى الخبير الزراعي عبد الله العزاوي أن "رمان شهربان لم يكن مجرد محصول زراعي، بل هو قطاع اقتصادي كامل كان يوفّر سبل العيش لآلاف العائلات، ويدعم مهنًا أخرى في فترات عمل تمتد شهرين أو ثلاثة سنويًا، لكن اندثار هذه البساتين أدى إلى تراجع الانتعاش الاقتصادي ودخول الكثير من الأسر خط الفقر بعد أن كانت المنطقة تنعم برخاء لعقود".

ويشدد على "ضرورة إحياء هذه المزارع التاريخية ودعم الفلاحين لإعادة الاعتبار لمنتج زراعي مثّل هوية اقتصادية واجتماعية للعراق على مدار عقود طويلة". 

ماركة زراعية التهمها الجفاف

في السياق، يقول الرئيس السابق للجنة الزراعة في مجلس ديالى، حقي إسماعيل، أن "رمان شهربان فقد 95 في المائة من حصته في الأسواق بعد أحداث حزيران 2014 وما رافقها من حركة نزوح واضطرابات أمنية، الأمر الذي تسبب في جفاف المزارع بشكل عام، وهلاك قرابة 90 في المائة منها".

ويضيف في حديث صحفي أن "بساتين الرمان في شهربان، والتي تمتد مترابطة على مساحة واسعة في قاطع شمالي المقدادية، تُعتبر حالة استثنائية على مستوى المحافظة برزت قبل قرن بعد نجاح زراعة هذا المحصول. حيث أصبح رمان شهربان أشبه بالماركة الزراعية في البلاد".

إلى ذلك، يقول المهندس الزراعي حسن الشمري، ان "رمان شهربان ليس مجرد محصول، بل ديناميكية اقتصادية لمهن عدة كانت تنعش دخل آلاف الأسر وقت الحصاد".

ويؤكد في حديث صحفي أن "الاضطرابات بعد 2014 كانت بمثابة الضربة القاضية للجزء الأكبر من مزارع الرمان في قاطع شمالي المقدادية. حيث قادت تلك الاضطرابات إلى هلاك البساتين، التي لم يتبق منها سوى أقل من 10 في المائة، وهي تعاني اليوم أزمة جفاف"، داعيًا إلى "منح المزارعين قروضًا مالية تساعدهم في إحياء مزارع الرمان مجددا، وإنعاش هذا القطاع الزراعي الذي كان مزدهرًا لعقود".

وإلى جانب التحديات الأمنية، يفاقم الجفاف من حجم الأزمة. حيث أفاد وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله، في وقت سابق، بأن البلاد تمر بـ"أصعب مراحل الجفاف"، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تحجيم الزراعة في الموسم الحالي، مشيرا إلى أن "جهودًا حثيثة واستثنائية تبذل لتأمين مياه الشرب وتلك المخصصة للاحتياجات المنزلية والصناعية والصحية والبيئية".

جدير بالذكر، أن لجنة الزراعة في مجلس ديالى، أبدت الخميس الماضي قلقها من عدم إطلاق الخطة الزراعية الشتوية للمحافظة، والتي تشمل 18 مقاطعة، مبينة في حديث صحفي أن وزارة الزراعة لم تصدر حتى الآن أي تعليمات بشأن الخطة الشتوية، ما يثير قلق أكثر من 30 ألف مزارع يعتمدون بشكل مباشر على هذه الخطة، لا سيما مزارعو محصولي الحنطة والشعير.

وأوضح رئيس اللجنة رعد التميمي، ان عدم إطلاق الخطة حتى الآن يعني احتمال عدم وجود بادرة للمضي بها بسبب صعوبة الوضع المائي في ديالى، مؤكدا أن "الموقف مثير للقلق، خصوصاً أن ديالى عانت خلال السنوات الماضية حرمانها من الخطة الشتوية بسبب أزمة المياه، وكانت ارتدادات ذلك قاسية على المناطق الزراعية والأرياف".