يشهد نهر ديالى واقعًا مريرًا؛ حيث يعاني من مشاكل بيئية جمة، جعلت مياهه غير صالحة للشرب والري، نتيجة تلوثها بالمخلفات الصناعية والصحية، فضلاً عن مصادر تلوث أخرى. وقد انعكست هذه المشاكل سلبًا على صحة المواطنين وأراضيهم الزراعية.
ويعد نهر ديالى واحداً من روافد نهر دجلة، ويتشكل من التقاء نهري سيروان وتانجرو اللذين تتدفق مياههما من جبال زاكروس عند الحدود العراقية الإيرانية، ليصب في نهر دجلة جنوبي بغداد. ويبلغ طوله الإجمالي 386 كيلومتراً. فيما يبلغ طول نهر ديالى من مصب محطة الرستمية الشمالي حتى نهر دجلة 15 كيلومتراً.
مخلفات متنوعة
يقول أنعم ثابت خليل، معاون مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة: أن مساءلة التلوث في نهر ديالى "قضية شائكة ومعقدة، حيث يعاني النهر من إلقاء المخلفات الصلبة والسائلة، سواء كانت خدمية أو صناعية، معظمها يأتي من القطاع الخاص".
وأضاف خليل في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذه الأنشطة الملوثة غالباً ما لا تحصل على الموافقات البيئية المطلوبة، بالإضافة إلى المخلفات الناتجة عن المحطات القديمة لمعالجة مياه الصرف الصحي".
وأشار خليل إلى أن "النهر يواجه مستويات عالية من التلوث، خصوصاً عند دخوله الأراضي العراقية ومروره بمحافظة ديالى وصولاً إلى بغداد"، موضحا ان المشكلة "تزداد بفعل التجاوزات على ضفاف النهر، حيث أن بعض المواطنين يقومون ببناء مساكن عشوائية وأنشطة صناعية على الضفاف، ما يؤدي إلى تضييق مجرى النهر وزيادة معدلات التلوث".
وتابع بالقول: إن "وزارة البيئة، بالتعاون مع الجهات العسكرية ووزارة الموارد المائية، قد بدأت منذ حوالي أربع سنوات في إزالة هذه التجاوزات، خاصة عند دخول النهر إلى مدينة بغداد، وذلك في مناطق مثل الفضيلية والزعفرانية. هذه المناطق تعاني من التجاوزات وإلقاء المخلفات السائلة من الأنشطة الصناعية والخدمية غير المرخصة بيئياً. حتى المنشآت التي تحصل على الموافقات البيئية، قد لا تلتزم بالمحددات البيئية بسبب تقادم وحدات المعالجة".
ختاماً، دعا خليل إلى "ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الأنشطة غير القانونية، وأهمية تعاون جميع الجهات، بما في ذلك سكان المناطق المحاذية للنهر، لوقف إلقاء المخلفات فيه".
مكب للنفايات
وقال الخبير البيئي فلاح الأميري، إن نهر ديالى "كان سابقًا من أشهر الأنهار العذبة والجميلة التي تغذي المناطق على طرفيها بمياه الري والشرب والاستخدام"، مردفا "ما نراه اليوم في هذا النهر يختلف تمامًا عن تاريخه، فقد أصبح بؤرة للتلوث ومكبا للنفايات بأنواعها، بما في ذلك المياه الثقيلة للمجاري. ومع زيادة عدد الأراضي التي تم تحويل جنسها واستيطانها من زراعية إلى سكنية، زادت نسبة التلوث في هذا النهر".
وأوضح الأميري لـ "طريق الشعب"، أن "من الأخطار المهمة لتلوث مياه نهر ديالى هو التأثير على الزراعة، حيث تتغير المناطق المحاذية للنهر وتتحول إلى أراضٍ جافة، وكذلك تتغير أنواع النباتات".
وذكر، أن "الإصابات بالأمراض قد ارتفعت نتيجة الاستخدام والشرب، حتى أصبح النهر في الآونة الأخيرة غير صالح لأي شيء".
وأضاف الخبير البيئي، ان "الغريب في الأمر أن العالم كله يعاني من شح المياه ونقص الأمطار، والعراق متأثر جدًا بهذا التغير المناخي، إلا أننا ما زلنا نهمل موضوع إدارة المياه ولم نحافظ عليها رغم شحتها. كنا نعتقد أن المياه في الجنوب تأثرت بمياه نهري دجلة والفرات بفعل التبخر والمرور بالمبازل، إلا أن هذا الاعتقاد تلاشى مع مشاهدة نهر ديالى الذي يعتبر من أكثر الأنهار أهمية، ونراه اليوم من أكثر الأنهار تلوثًا".
وأكد الأميري ضرورة "الاتجاه نحو تقنين إدارة المياه والمحافظة على كميات المياه المتوفرة"، مشددا على "أهمية اتباع سياسات جديدة وحديثة في هذا المجال".
وختم حديثهُ قائلاً، ان "الأمر يعد ضروريًا وحتميًا، وعلى أصحاب القرار الالتفات إلى هذه المسألة بشكل جدي لعلنا نحافظ على ما تبقى من المياه".
تجاوزات المواطنين
من جانبه، قال قائمقام قضاء بعقوبة عبد الله الحيالي، إن نهر ديالى يعاني من "تلوث شديد بمجرد دخوله مدينة بعقوبة أو مروره فوقها"، موضحا أن المياه في هذا الجزء من النهر تتكون أساساً من مياه المبازل ومياه الصرف الصحي، نتيجة لتجاوزات المواطنين وعدم وجود إطلاقات مائية كافية في النهر.
وأضاف لـ "طريق الشعب"، أن "مياه الشرب والزراعة في المنطقة تعتمد على تفرعات نهر ديالى من سد الصدور، وخاصة نهر خريسان"، معرباً عن قلقه من أن مياه الزراعة تستخدم مياه غير صالحة، تتضمن مخلفات المجاري وغيرها من المواد الملوثة.
وأشار الحيالي إلى أن "الإدارة المحلية، بالتعاون مع مديرية الموارد المائية، قامت بتبليغ المواطنين المتجاوزين وإزالة العديد من التجاوزات"، مؤكداً على استمرار متابعة هذا الأمر.
وأعرب عن أمله في أن يؤدي هذا التعاون إلى تحسين الوضع البيئي للنهر"، مشددا على أهمية وجود إطلاقات مائية كافية للحفاظ على نظافة النهر ومنع تلوثه، والمتابعة دؤوبة من قبل الجهات المختصة في الموارد المائية لتحقيق هذا الهدف.